النهضات التحريرية من النفوذ الاستعماري في العالم الإسلامي.
وليس ذلك لأنه كان المعهد الوحيد أو الرئيس في القرن التاسع عشر لنشر الثقافة والتعليم في مصر، بل لأنه كما ذكرنا مصدر الثقافة القومية.
أرتبط الأزهر بهذه الثقافة الإسلامية عرفت به في العالم الإسلامي حتى صار تلازمهما في تصور الشعوب الإسلامية الأخرى أمراً واضحاً. إن ذكر الأزهر ذكرت الدراسات الإسلامية، وإن أشير إلى الثقافة الإسلامية عرف الأزهر كمصدر لها.
والأزهر إن تطاول على غيره من معاهد العلم في الشرق بهذا الصلة في معرض الإشادة بالمحاسن فهذه الصلة نفسها قد جرت عليها كثيراً من المتاعب، كانت سبباً في محاربته وتضييق الخناق عليه.
فالاستعمار الأوربي للشعوب الإسلامية أتخذ وسيلتين رئيسيتين للوصول إلى تحقق هدفه:
(أ) عمل على كبت النزعة القومية في الشعوب الإسلامية أينما وجدت هذه النزعة، في التعليم والتشريع، أو في مجال الاقتصاد وميدان الصناعة، أو في دائرة العادات والتقاليد.
(ب) ساعد على نشر الثقافة الغربية في هذه الشعوب عن طريق ترويج اللغات الأوربية بشتى الوسائل وحمايتها من منافسة اللغة العربية لها وهي اللغة الوطنية، وكذا عن طريق تمكين الفكر الأوربي من أن يأخذ طريقه نحو السيطرة على توجيه الجماعات الشرقية الإسلامية.
والذي يعنينا من ذكر الوسيلة الأولى بيان أنه: لماذا كان الأزهر هدفاً لاضطهاد غير مباشر من حملة الاستعمار الغربي. . .
أخذ اضطهاد الأزهر صوراً عديدة: أكثر لسان الاستعمار من الحديث أولاً عن جموده وتعصب رجاله وتشددهم في تعصبهم؛ ثم تطور هذا الحديث إلى ذكر أن الأزهر يبعد قاصديه عن الحياة العامة أو يحول بينهم وبين الانتفاع بالحياة المادية والتمتع بالوجاهة الاجتماعية، ثم أنتقل إلى ادعاء أن الأزهر عقبة في تقدم مصر وسيرها نحو المدنية الأوربية أو الأمريكية. ولا زلت أذكر قصة تلك الآنسة الفلسطينية التي طلبت في عام سابق على العام الماضي معلومات عن الأزهر واتجاهاته التربوية والتعليمية كي تستعين بها على إعداد رسالتها في قسم الماجستير بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وأدهشني منها أول