ولجأ القرآن إلى التشبيه يصور به فناء هذا العالم الذي نراه مزدهراً أمامنا عامراً بألوان الجمال، فيخيل إلينا استمراره وخلوده فيجد القرآن في الزرع يرتوي من الماء فيصبح بهيجاً نضراً، يعجب رائيه، ولكنه لا يلبث أن يذبل ويصفر ويبح هشيماً تذروه الرياح، يجد القرآن في ذلك شبهاً لهذه الحياة الدنيا، ولقد أوجز القرآن مرة في هذا التشبيه وأطنب، ليستقر معناه في النفوس ويحدث أثره في القلب، فقال مرة:(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فأختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدراً). وقال مرة أخرى:(اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة، وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً). وقال مرة ثالثة (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فأختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وأزينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلنا حصيداً كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون).
ولما كان للمال أثره في الحياة الاجتماعية لعب التشبيه دور في التأثير في النفس كي تسمح ببذله في سبيل تخفيف أعباء المجتمع فقرر، مضاعفة الثواب على ما يبذل في هذه الناحية فقال في موضع:(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين، فأن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير). فلهذا التشبيه أثره في دفع النفس إلى بذل المال راضية مغتبطة، كما يغتبط من له جنة قد استقرت على مرتفع من الأرض ترتوي بما هي في حاجة إليه من ماء المطر وتترك ما زاد عن حاجتها، فلا يظل بها الماء حتى يتلفها كما يستقر في المنخفضات، فجاءت الجنة بثمرها مضاعفاً. وفي مرة أخرى رأى مضاعفة جزاء الحسنة كمضاعفة الثمرة لهذا الذي يبذر حبة قمح فتخرج عوداً يحمل سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة:(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم). وحاط القرآن هذه المضاعفة بشرط كون الإنفاق عن رياء. وهنا قف أمام هذا التشبيه القرآني الذي سيق تصويراً لمن يتصدق لا