عن باعث نفسي، نتبين إيحاءاته، ونتلمس وجه اختياره، إذ يقول سبحانه:(يا أيها الذي آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، كالذي ينفق رثاء الناس، ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب، فأصابه وابل، فتركه صلداً، لا يقدرون على مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين)، أرأيت هذا الصلد قد غطته قشرة رقيقة من التراب فخاله الرائي صالحاً للزرع والإنبات، لكن وابل المطر لم يلبث أن أزال هذه القشرة فبدأ الحجر على حقيقته صلداً لا يستطيع أحد أن يجد فيه موضع خصب ولا تربة صالحة للزراعة؟ إلا ترى في اختيار كلمة الصفوان هنا ما يمثل لك هذا القلب الخالي من الشعور الإنساني النبيل، والعطف على أبناء جنسه عطفاً ينبع من شعور حي صادق، ولكن الصدقة تغطيه بثوب رقيق حتى يخاله الرائي، قلباً ينبض بحب الإنسانية ويبني عليه كبار الآمال فيما سوف يقدمه للمجتمع من خير، ولكن الرياء والمن والأذى لا تلبث أن تزيلا هذا الغشاء الرقيق، فيظهر القلب على حقيقته قاسياً صلباً لا يلين.
وتأتي الكاف في القرآن أحيانا لا لهذا التشبيه الفني الخالص، بل لإيقاع التساوي بين أمرين، ومن أمثلة هذا الباب قوله تعالى (وعد الله المنافقين والكفار نار جهنم خالدين فيها، هي حسبهم ولعنهم الله، ولهم عذاب مقيم، كالذين من قبلكم، كانوا أشد منكم قوة، وأكثر أموالاً وأولادا، فاستمتعتوا بخلاقهم كما استمتعتم بخلاقكم. كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم، وخضتم كالذي خاضوا، أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون) وقوله تعالى: (إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداًعليكم، كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً، فعصى فرعون الرسول، فأخذناه أخذاً وبيلاً)؛ فهو يعقد موازنة بينهم وبين من سبقهم، ويبين لهم الوجوه التي يتفقون فيها معهم، ولا ينسى أن يذكر ما أصاب سابقيهم. وإلى هنا يقف تاركاً لهم أن يصلوا بأنفسهم إلى ما ينتظرهم من العواقب، وإنها لطريقة مؤثرة في النفس حقاً أن تضع لها شبيها، وتتركها تصل بنفسها إلى النتيجة في سكينة وهدوء، لا أن تقذف بها في وجهها، فربما تتمرد وتثور.
ومن كاف التساوي أيضا قوله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده)، وقد يلمح في ذلك الرغبة في إزالة الغرابة عن نفوس السامعين واستبعادهم نزول الوحي على الرسول، فالقرآن يقرنه بمن لا يشكون في رسالته، ليأنسوا بدعوة النبي؛ وقد