كانت المحاضرة الخامسة، من المحاضرات العامة التي عدت لتلقي في خلال الأيام التي ينعقد فيها المؤتمر، هي محاضرة تربية العلمية لدى الشباب) للدكتور زكي نجيب محمود وقد بدأها بالتسائل عن سبب تأخرنا عن الغرب، وانتهى إلى أن هذا السبب إنما هو أننا نصدر في أعمالنا وتصرفاتنا عن العاطفة، قائلا: إن الشائبة التي تعيب كياننا وتضعف بنياننا هي (تضخم في العواطف والانكماش في العقل) وأن العلاج الذي يطالب رجال التربية أن يتناولوا به الجيل الناشئ هو أن يحصروا العاطفة في أضيق دائرة ممكنة ليفسحوا للعقل أوسع نطاق ممكن وقد عرف العاطفة بأنها الميل الشخصي الذاتي الذي لا يؤيده شيء من الواقع وعرف العقل بأنه مجموعة الأقوال التي يمكن التحقيق من صوابها أو خطئها. وقال إن أوربا نهضت في القرن السادس عشر لأنها نقصت عن نفسها غبار العقيدة (فسر العقيدة بأنها الذي يصدر عن عاطفة) لتلقي بزمامها إلى العقل، وإن التقدمالذي أصابه الإنسان إنما يرجع إلى تغيير نظرته إذا أصبح في البحث العلمي لا يقول القول إلا إذا اقتنعت به الحواس ورضي العقل، وإننا إذا أردنا أن نلحق بركب التقدم يجب أن نصنع ما صنعت أوربا إبان نهضتها، فأن حالنا شبيه بحالها إذ ذاك، فيجب أن ننزل عن الإيمان بالقلب إلى الإيمان بالعقل، والدعوة إلى العلم وحده هي الدعوة إلى المعرفة الصحيحة. ثم ندد بالطريقة المدرسية عندنا لأنها تعتمد على الحفظ سواء أكان المحفوظ قرآنا أم غيره، فالمدارس لا تزال (كتاتيب) وقال: إن تربية الناشئ تربية علمية معناها ألا يسلم بعقيدة لأنها شائعة وألا يأخذ برأي لأنه رأي موقر بتوقير صاحبه بل يجب أن تقوم التربية على تحكيم العقل فيكون للناشئ حق النقد كيف شاء.
ولا شك أن أساس المحاضرة سليم من حيث الدعوة إلى العلم والسير على مقتضى العقل، من حيث نقد ما يسود حياتنا على اختلاف نواحيها من عواطف حمقاء وعشواء ولكن الدكتور زكي نجيب قد غالى واشتط كدأبه فقلل من شأن العاطفة بل أنكرها كل الإنكار، وجعل العقل وحده كل شيء في تقدم الإنسان ورقيه أسند تأخرنا إلى ما سماه (تضخم العواطف) الواقع أن عواطفنا المتضخمة التي تسوقنا إلى الخرافات والأوهام ليست هي العواطف المنشودة للإنسانية والتي لا تكون الإنسانية إلا بها، فالعاطفة المنشودة هي