أني سأهتم بمناقشته لتستطيع أن يطل برأسه على دنيا الأدب والأدباء. . . ومعذرة يا عزيزتي إذا ما أغلقت الباب في وجهك، لأنني لا اهتم بمناقشة الرؤوس الفارغة ولو ركبت فوق أعناق طويلة، تتيح لها أن تطل على دنيا الأدب والأدباء من حين إلى حين!
مذهب الأداء النفسي لا يرضيك؟ من أنت إذا رضيت أم سخط؟! أن الجمال إذا تمثل في لوحة الرسام أو سيمفونية الموسيقار أو ميزان الناقد أو قصيدة الشاعر، ثم وجد من ينكر أصداءه في فجاج النفس وأضواءه في شعاب القلب فإن الذنب ليس ذنب الجمال. . . ولكنه ذنب كل عين عمياء وكل أذن صماء وكل شعور بليد!!
بين عزيز أباظة وأم كلثوم:
في العدد الماضي من الرسالة قصيدة محلقة مهداة إلى الآنسة أم كلثوم من الأستاذ الشاعر عزيز أباظة. وما أريد أن أعقب على فن الشاعر وإنما الذي أريد أعقب عليه هو ذوق المطربة! لقد أثارت عبارة الإهداء التي وجهها عزيز باشا إلى الآنسة أم كلثوم بعض الخواطر الكامنة في النفس منذ أمد بعيد. . . وقبل أن أنثر بين يد القارئ شيئاً من هذه الخواطر المثارة أعيد هنا نشر عبارة الإهداء (اعتدت أن أهدي إليك شيئاً من الشعر وأنا غريب الدار وتقولين أنني أفعل ذلك توفيراً للهدية وأقول أنني أفعله توقيراً للمهدى لها. . فهل تصنعين فيه لحناً؛ لقد خلدت الخالدين فتنزلا إلى المغمورين).
أرأيت إلى هذا الإهداء المضمخ بعطر التواضع وإنكار الذات؟ أن عزيز أباظة ليس من الشعراء المغمورين ولكنه من الشعراء الملحوظين. وهكذا يصنع التواضع بأهله حين يجردهم من محاسنهم في رأي أنفسهم ونريد من تلك المحاسن في رأي الناس! بعد هذا افتح الباب على مصراعيه فأقول لأستاذ الشاعر: هون عليك. . . أن الآنسة أم كلثوم لا تستطيع أن ترفع من شأن شاعر لم يرفعه شعره أو تخفض من قدر شاعر قد ذاع في الناس قدره هذا إذا غنت للقول ولم تغن للأخير! ما معنى هذه الكلمات؟ معناها عندي إنها غنت شوقي العظيم المشهور فلم تضف إليه مجداً فوق مجده أو معجباً ينظم إلى زمرة المعجبين، ولو لم تغن له لبقى شوقي كما كان. . وغنت لمصطفى على عبد الرحمن الشاعر المغمور فلم تستطع أن تنتشله من مهاوي الخمول أو زوايا العدم، ولو غنت له ألف مرة لبقة كما كان. . . واعجب العجب في هذا الذوق أنه لا يجد حرجاً في المساواة بين القمم والسفوح!!