وينهض الفتى بعد ذلك إلى فراشه، ويحاول النوم ولكنه عبثاً يحاول!! أن شيئاً يحول بينه وبين النوم لم يألفه الفتى من قبل، ولا يستطيع أن يجلو لنفسه حقيقة أمره ويحاول الفتى أن يهرب من هذه الفكرة التي ألمت به وألحت عليه؛ فقد استقر في نفسه أنه سيبقى حتفه على يدي هذه الفتاة.
وما زالت هذه الفكرة تلح عليه، وما زال هو يمعن في محاولة الهروب منها حتى استطاع أن يظفر بقسط ضئيل من النوم في الهزيع الأخير من الليل. ولكن القسي مع ذلك يستيقظ على صوت رفيق رفق (الله أكبر، الله أكبر. . .) فينهض ليؤدي صلاة الصبح كما هي عادته ويتناول فطوره، ويحزم غداءه في منديليه، ويعتمد فأسه، وينصرف إلى عمله ليشارك زملاءه في عمل الحقل،. . . ولكنهم يلاحظون أنه على غير عادته، فهو مهموم حزين، أو كالمهموم الحزين، وهو مطرق، مفكر دائم التفكير؛ واجم مغرق في وجومه؛ مزور عنهم وعن الحديث إليهم كل ازورارا.
وبينما هو يجلي وحيداً كئيباً، بتناول غداءه تحت شجرة على غير عادته - فقد عود إخوانه ايشاركهم حلقتهم تلك التي تكتم لهم، لا للحديث في شأن من شئون الزراعة ولكن لملء بطونهم بشهي الطعام - بينما أفتى يجلس وحيداً كذلك إذا بأحد زملائه ينهض إليه يسأله عن سبب أطرافه ووجومه، فيجب (إبراهيم) في غير ترد (والله يا (سعيد) لقد كان من أبي ليلة أمس ما لم اكن أتوقع. فقد عرض على أن محو بزوجتي من آمنة، بنت قابلة القرية، تلك الفتاة الساحرة الفاتنة، الساخرة بقلوب الشباب، الراغبة بعواطفهم ولا يخفى يا صاحبي أن أمها أصبحت بعد أن مات عنها زوجها، مطمع الأنظار والقلوب. ولست ادري، أي شقاء ينتظرني لو يصر أبي على رأيه هذا!
وما يكاد (إبراهيم) يختم حديثه إلى (سعيد) حتى ينهض هذا الأخير وفي عينيه بريق المحموم، وعلى وجنتيه احمرار المحنق، وينصرف عنه وفي قلبه غيظ مكتوم.
و (سعيد) هذا فتى في ريعان شبابه، أحب (آمنة) وصارحها بمكنون فؤاده، فبادلته الفتاة حباً بحب، ووفاء بوفاء، وإخلاصا بإخلاص، وتعاهداً على الزواج عندما يبيع أبوه محصول القطن، وتمتلئ جيوبه بالمال ولم يكن (إبراهيم) يعرف ما ربط بين قلب (سعيد) وقلب (آمنة) من حب، وما تعاهدا عليه من زواج، فلم يجد حرجاً في مصارحة بنما كان بينه