للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبين أبيه من حيث ألامس.

وقد استمر (إبراهيم) على هذه الحال من القلق والتفكير زمناً لا يدري هو، أطال أم قصر، وإن كان يدري أنه كان يعود من عمله ليؤدي صلاة المغرب وصلة العشاء ثم ينهض إلى فراشه دون أن يجلس إلى أمه ساعة أو بعض ساعة كما هي عادته، وكانت أمه ترى في قسمات وجهه إمارات الحزن والشقاء وتسمع في صوته نبرات اليأس والقنوط ولكنها، مع ذلك، لم تكر تدرك حقيقة ما ترى وما تسمع،!

وتمر أيام وأيام، ويعود الفتى ذات مرة من عمله ليجد أباه في البيت ينتظر عودته، فيسلم ويجلس إلى أبيه وأمه. وتمر فترة من الزمن، يصمت فيهم الجميع، لا يدري الفتى أطالت أم قصرت. وكان أباه قد أراد أن يخرج من صمته فيقول لأننا وهو يضع بين يديه قلادة وقرطاً من ذهب (هذه (شبكة) عروسك يا بني، وما أرانا إلا أن ننهض الآن لتقدمها إليها، فهي وأمها في انتظارنا

وينظر الفتى إلى أبيه نظرة حائر، ثم يحول بصره إلى أمه ويهم أن يقول شيئاً، ولكن أباه لا يمهله، ولسانه لا يعفه، واسه لا يواتيها الحزم فتستمهل زوجها لتأخذ برأي ولدها. وينهض الجميع إلى بيت (آمنة).

بيت ريفي صغير، في زقاق ملتو، أمامه مصباح زيتي كبير، وفي داخله مصباحان، حولهما فتيات يغنين ويزغردن، وما هي إلا بعض ساعة، حتى يدخل محمود وزوجه وابنه إبراهيم، وتأتى فاطمة أم آمنة وتخوض مع محمود في حديث لا يكاد ينتهي، وكانت تتحدث إليه بلسانها وعينيها بل وقلبها كذلك وكان إبراهيم يجلس مهموماً أو كالمهموم، ثم تأتي آمنة في ثوب أنيق رشيق، وينهض إبراهيم ليزين بالقرط أذنيها ويحيط بالقلادة جيدها؛ ولكنها مع ذلك كانت مهمومة هي الأخرى أو كالمهمومة فقد كانت تود أن تزف إلى (سعيد) عروساً كما تعاهدا على ذلك

وتمضي أيام وأيام ولا حديث لشاب القرية سوى إبراهيم وعروسه آمنة، ولا هم لسعيد إلا أن يفكر كيف يمسح عن جبينه عار الهزيمة، فتتصل الأسباب بينه وبين آمنة من طريق خفي ويتفقان معاً على مكيدة يقصيان بها إبراهيم عن طريقهما ويحولان بها بينه وبين الزواج منها. وتمر الأيام كذلك ولا هم لمحمود إلا في التفكير في الزواج من فاطمة تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>