بالله دعنا من المستقبل وخلنا في الحاضر. . إن غداً ليوم عيد، فهل فكرت في أن تهيئ لنا مكاناً جميلاً نقضي يومنا فيه؟! ويقول في صوت تنطلق فيه الهمسة من فجاج روحه: أما العيد فأنا اليوم فيه. . وأما المكان الجميل فقد هيأته لك في قلبي!
وترنوا إليه معجبة، ويرتسم على شفتيها ظل ابتسامة فاتنة، وتهتف من الأعماق قائلة له: هل تعرف أنك تجيد فن الحوار؟ لماذا لا تعالج كتابة القصة؟ أنا في انتظار اليوم الذي تكتب فيه قصتك الأولى!
ويعدها أن يكتب قصته الأولى، ويودعها وتودعه، وينطلق عائداً إلى بيته على أن يراها في صباح العيد. ولم يكن يعلم أن المقادير تدخر له أسود ليله في رصيد العمر، وأبشع صباح في حساب الشعور! ولم يكن يدرك أن ما رآه من ومضات العافية حين جلس إليها كان أشبه بومضات المصباح قد فرغ زيته، فهو يرسل أسطع أضوائه قبل أن ينطفئ، ويترك الحياة من حوله يختنق فيها النور تحت قبضة الظلام. . لقد طوى الموت في المساء صفحة عمر، وغيب القبر في الصباح أحلام عذراء!!
وسأل نفسه وهو يشهد ليلة تنطوي وفخراً يبزغ: أيمكن أن تمر تلك الليلة على إنسان كما مرت عليه؟ وسمع جواب نفسه منبعثاً من أعماقه: محال!
وكانت ليلة عيد: ولا يذكر أنه أحس القفر في حياته كما أحسه في تلك الليلة، ولا يذكر أنه أنكر دنياه كما أنكرها في تلك الليلة، ولا يذكر أنه استشعر الوحدة والغربة والفراغ كما استشعرها في تلك الليلة. . لقد كان يشم في كل شيء حوله رائحة الموت؛ الموت الكريه البشع الذي يتراءى للأحياء في الليالي السود، ويلف الآمال في أكفانه، ويهيل على جمال الحياة أكوام التراب!
وأشرقت الشمس العيد ترسل ضياءها إلى قلوب الناس إلا قلبه. لقد بقي وحده في الظلام؛ ظلام الأماني التي ذوت، والفرحه الكبرى التي انطوت، والدنيا التي ذهبت إلى غير معاد. ولأول مرة منذ سنتين شعر بدافع قوي إلى البكاء، وحاول أن يبكي ولكنه لم يستطع لقد تجمدت الدموع في عينيه، ثم تحدرت إلىقلبه قطرات: فيها من دفء عاطفته، وفيها من وقد وجدانه، وفيها من لوعة حرمانه. . . وفيها من وهج أساه!