اختيار الطريق للدراسة التي تلائم تطور شخصيته وتمكينه من استقلال استعداده الفطري للتقدم والبروز حتى تظهر كفايته لنا وحتى يستفيد المجموع من هذا الفرد الناشئ.
فإن هناك بجانب هذه الأهداف العامة اتجاهات تحتم أن تكون سياسة التعليم سياسة مبنية كما قلت على أسس اقتصادية علمية تستهدف تحقيق غايات معينة وسد النقص في نواحي النشاط التي تظهرها حاجات البلاد ويحتمها تطورها في القرن العشرين. وهذا يحتم أن يتسع نشاط الهيئات التعليمية حتى نخرج كل سنة آلاف العمال المتقنين لعملهم وآلاف ضباط الصف الذين يعرفون عن حق مهنة الزراعة، وآلاف الميكانيكيين وهلم جرا مما لا يمكن حصرهم في حياة أمة حديثة ناشئة:
فألا أستطيع أن أفهم سياسة للتضيع مثلا لا تشترك فيها وزارة المعارف، ولا أسلم بنجاح عمل يقصد به رفع الإنتاج الزراعي في مصر من غير أن تسنده سياسة تعليمية تساعد وتمهد لهذا التطور الإنتاجي في الحقلين الزراعي والصناعي. ولقد رأينا في بعض البلاد الشرقية - وهي في ظروفها تشبهنا تماماً - حينما أرادت أن تغزو الريف في مناطق بعيدة عن المدينة والعمران ولا يمكن أن تقاس بها مسافات مصر، رأينا جل اعتمادها على نشاط المدرسة في القرية، وكان هذا النشاط في المعلمة أولا، ثم في المعلم. ولا يمكن الإقلال من أثر المعلمة في دفع الحياة الريفية، لأن نقل المزارع وأهل بينه من حالة التأخر والفوضى إلى القرن العشرين ألقى على عاتق المعلمة، فهي التي فرضت التقدم في صميم عائلات الريف، وهي التي قادت حركة التثقيف وتحسين الصحة. وكان عمل المعلمة في الريف مستمداً من توجيه المراقبة التعليمية في كل إقليم والتي يتحتم أن تصبح مركزاً للتثقيف ونشر التعليم والتمدين في الدائرة التي تعمل فيها؛ فلا يقتصر عملها على إدارة المدارس الابتدائية والثانوية بل يجب أن يتعدى نشاطها هذه الدائرة فيشمل مجموع السكان: وأن يسند عملها إلى رجال يمثلون مختلف الهيئات سواء كانوا من رجال يمثلون مختلف الهيئات سواء كانوا من رجال المعارف أو المجالس المحلية أو من ممثلي الهيئات الصناعية والزراعية حتى لا يقتصر عملهم على نشر التعليم الشعبي بين الجماعات ومحاربة الأمية بل يشمل النظر في حاجيات كل إقليم لدفع التطور الزراعي والصناعي من هذا الإقليم بالذات إلى الأمام عاما بعد عام.