كل هذا يمكن أداؤه وتنظيمه. وإن غزو الريف يجعل اللامركزية عنصراً من عناصر التقدم بالتعليم والسير به نحو تثقيف أكبر عدد ممكن من الشعب. ولهذا أعد هذه اللامركزية خطوة أولى نستهدف رفع الأعباء وتخفيفها عن وزارة المعارف، ثم أطمع فيما يتعلق بدفع الحياة الاقتصادية للإمام إلى الأخذ بنوع من السياسة التعليمية يقصد به الملائمة بين التعليم وحاجات السكان المحلية. اطمع إلى زيادة المدارس الفنية المتوسطة بحيث تقوم الصناعة والزراعة المصرية على (كادر) وأقصد به (مجموعة) من العمال والرؤساء الذين أتقنوا عملهم. بل في حاجة إلى عشرات من هذه المدارس الصناعية والزراعية قبل أن نكون في حاجة إلى إنشاء جامعة جديدة. واليك بعض ما لاحظته أبان وجودي خارج مصر. لقد مهدت لي خدمتي الاتصال بفئات كثيرة من الشعب المصري. وقد رأيت من أهل شمال الدلتا وخصوصاً (دمياط) رجالا يعملون بالبحار ويواجهون الموت في الحرب الماضية: فقلت لنفسي هؤلاء ثروة لمصر. ألا ترى انهم في حاجة لسياسية تعليمية تتفق مع بيئتهم واستعدادهم؟ فإنشاء مدرسة متوسطة للبحار يفيد هذه المنطقة بدلا من تركهم على الفطرة التي ستنتهي بهم إلى الزوال كقوة بحرية قامت منذ زمن على تجارب ولكنها عتيقة. ثم هؤلاء أكثر ثباتا واستعدادا لصناعة البحر من عناصر تأتي بها. إلى صفوف البحرية من أقاصي البلاد الداخلية بينما نترك الذين خلقوا ليجولوا البحار وكانوا من سلالة شعب بحري لعب دوراً في التاريخ وله وقفات في معارك الحروب الصليبية.
وما يقال عن هؤلاء يمكن أن نقوله عن العمال الزراعيين. إن المدارس الزراعية الأولية والمتوسطة الريفية التي تخرج مختصين لتربية أشجار الفاكهة والعناية الفنية بالماشية أو بالفنون الميكانيكية أهم لدينا من عشرات المدارس الأولية التي لا تعلم شيئاً والتي انتهت إلى أن تكون بابا للرزق ولاستبقاء جزء كبير من الأمة في حال تعطل
إن حاجات البلاد ظاهرة واضحة والشباب المصري من قوة الملاحظة والاستعداد الشخصي ما يمكنه من إتقان الدراسة السهلة التي تلائم البيئة وتدفعه إلى العمل لترقية الصناعة الزراعة ومرافق بلاده والمساهمة في نقلها إلى القرن العشرين
إن السياسة التعليمية التي ترتكز على الاستقرار والثبات هي التي تدفع بالإنتاج المصري إلى أعلى ولا تقف مكتوفة الأيدي فتهبط به إلى أسفل، والتي تجعل من أول أهدافها عظمة