تجمعوا جماعات اتحدت على النيل من المسلمين. . ولكن الله حاربهم بالثلج والبرد والريح العاصف، فأعاق ذلك كله غازان وجنده فانصرفوا خائبين. . فأرسل الشيخ يقول: إن الله صرف العدو بثبات قلوب المسلمين وصدق نيتهم.
وفي سنة اثنتين وسبعين، كانت موقعة (شحقب) المشهورة بين التتار والمسلمين، وكانت موقعة فاصلة تعد من المواقع الحاسمة في التاريخ الإسلامي، وتعتبر كموقعة (عين جالوت) من حيث الأهمية، فأما نصر يزيل الغمة، وإما هزيمة تورث الذلة.
وحشدت القوات الإسلامية، وحضر الموقعة السلطان الناصر والخليفة، وكان ابن تيمية الداعية الأكبر للجهاد في العالم الإسلامي فكان يحض الناس ويحثهم ويستنفر الأمراء والعساكر، وما اكتفي بالدعوة للجهاد، حضر الموقعة، وجاهد بسيفه في الصفوف الأمامية، وطلب الاستشهاد ففر منه الموت، يسأل الشيخ الشجعان، ويجزع السلطان الناصر والخليفة إلا ابن تيمية، فهو ثابت واثق من نصر الله، يعدهما بنصره ويأمرهما بالتوكل عليه.
وتنكشف الغمة، وينصر الله المسلمين على عدوهم، ويذيع خبر شجاعة الشيخ بين المسلمين وجهاده، ويزداد الناس من الالتفاف حوله، والتبرك به، ويكثر أتباعه، ويطريه القوم، ويمدحون شجاعته، فيقول لهم متواضعا (أنا رجل ملة، لا رجل دولة).
وكان هناك. . خطر سري أعظم من خطر التتار والصليبيين، في قلب العالم الإسلامي ذاته: هو خطر هذه الطوائف السرية التي ظهرت من قبل ذلك، والتي كان من بين ثمارها (الدولة الفاطمية) وكم نال هؤلاء من الإسلام والمسلمين، فتارة يقتلون الحجاج، ويرمونهم في بئر زمزم، وأخرى يأخذون الحجر الأسود ويبقى عندهم مدة. وكانت هذه الحركات تبدو تحت أسماء مختلفة، كالإسماعيلية والقرامطة الباطنية والنصيرية.
وكان أهل جبل كسروان في الشام، من هذه الطوائف، وقد استفحل خطبهم، فتوجه الشيخ إلى هذا الجبل لقتالهم، وكتب إلى أطراف الشام في الحث على قتالهم، وأنهم غزاة في سبيل الله. . ثم ذهب، ومن معه من الرجال، ومعهم ولي الأمر نائب المملكة إلى الجبل لغزوهم واستمروا في حربهم وحصارهم، حتى فتح الله الجبل، وأجلوا أهله، وكتب أبن تيمية إلى السلطان يخبره بالفتح، وأنهم قوم أكفر من اليهود والنصارى، يعتقدون في عصمة علي، وكفر الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يقرون بصيام، ولا صلاة، ولا جنة، ولا نار ولا