الربيع في ريعانه؟ أنه سر عميق. . . كمن بين الجوانح وطويت عليه الضلوع، وقدر له أن يستقر في تلك الحفرة الضيقة التي ينتهي إليها كل حي، ويستريح كل شقي، وتسكن كل حركة ويحدد في زحمة الوجود كل مصير!
يا رحمة الله لتلك الروح التي لقيت من دنياها ما لم يلقه الأحياء حسبها في ظلام القبر أن هناك من يذكرها بالقلب والقلم، يذكرها إنسانة وفنانة، وحلما قصيرا داعب أجفان الحيارى ثم صحوا من بعده على وخزات الجراح! ماذا أقول لك يا هجران وقد أثرت بشعرك ونثرك كوامن الشجن؟ أقول لك تلك الكلمة التي قلتها بالأمس: إن الوفاء يا آنستي هو أجمل ما في الحياة. . وحسب الشاعرة الراحلة هذه النفحات المعطرة تهب على ذكراها من (قمرية تموت)!
أنا معك في أن من الشعر ما لو نشر في غير حينه لأضاع كثيرا من رونقه وجماله. . ولهذا يسعدني أن أقدم شعرك إلى الناي، أنت يا أيتها الشاعرة (المجهولة) التي ظلمت فنها حين قضت أن يظل رهين المحبسين: القلب والدار! إلى هذا العدد من الرسالة بقصيدتك الأولى (غناء) وأرجئ قصيدتك الأخرى إلى العدد الذي يليه.
أما عن هذا الكتاب المشترك الذي تقولين إن هذه الرسائل تؤلف بدايته فلست أدري أي حظ ينتظر نهايته. . إن لدي ثلاثة كتب مهيأة للطبع، ولكن أزمة القراء تصرفني عن التفكير في إخراجها إلى حين؛ إلى أن يقدر الله لهذه الأزمة أن تنجلي ولهذه الغمة أن تزول، ويجد القراء من وقتهم ومالهم وجهدهم ما يعينهم على قراءة الكتب التي تستحق بذل الوقت والجهد والمال! ماذا نفعل إذا كان القارئ العربي قد أصبح قارئ مقالة، يريد أن ينتهي منها وهو يحتسي قدحا من الشاي أو يترقب وصول الترام أو ينتظر قدوم صديق؟ هذا موضوع بحثته في عدد مضى من الرسالة وأحب أن تعودي إليه يا هجران. . وأن تحملي التحية الخالصة والشكر العميق إلى الأدبية السورية المطبوعة السيدة وداد سكاكيني، التي تفضلت بزيارتي في وزارة المعارف لتسألني عنك ولتقول لي فيما قالت ونحن نتحدث عن أزمة القراء: لو كنت تعرف منزلتك في الأقطار العربية عامة وفي سورية على الأخص، لما تأخرت في أن تقدم إلى قرائك ما لديك من كتب. . لست أدرى إذا كانت كلمات الأدبية السورية من قبيل المجاملة التي يفرضها الخلق الكريم أم من قبيل الحقيقة التي يؤيدها