الواقع الذي لا أعلمه! مهما يكن من شئ فحسبنا اليوم أن نلتقي على صفحات الرسالة، لننظر ماذا يكون من أمر الغد القريب.
أما عن هذا الباب الذي فتحته من قبل وهبت منه رياح العصبية الإقليمية، فإنه ليسرني أن تطرقيه بهذه الكلمات:(إنني أمقت من ينتصف لبيئة بعينها دون غيرها من البيئات ووطن بعينه دون غيره من الأوطان، لأنني أرى الفن وطنا وأحب أن يتلاقى الناس في هواه). . صدقيني إنني أحب أن أسمع هذه الصيحة من كل قارئ وأديب في مصر ولبنان وسورية والعراق، وكل وطن تربطه بالعروبة أواصر وأسباب. أحب للكتاب والشعراء أن ينظروا إلى أسمائهم وهي مجردة من أثواب الوطن الصغير ليلفها علم واحد هو علم الوطن الكبير. . عندئذ تختفي من الأذهان هذه العصبية البغيضة التي تنتصف لعلي محمود طه في مصر لأنه مصري، وتقف إلى جانب أبي ماضي في لبنان! إن كليهما في رأيي ورأي الحق شاعر (عربي). وهذا هو العنوان الصحيح الذي يجب أن تدرج تحته أسماء أهل الفن هنا وهناك.
ولقد لمحت من وراء السطور في رسالتك سر إعجابك بشعر عزيز أباظة، كما لمحت من وراء الأبيات في قصائدك سر عطفك على شعر أنور العطار. . ودلتني هاتان اللمحتان على أن شعر يوسف حداد لم يظفر منك بشيء من هذا العطف وذلك الإعجاب لأنه نغمات تنبعت من وتر غير الوتر ورفات تنطلق من جناح غير الجناح! أريد أن أقول إن سر ميلك إلى الشاعرين مصدره أن شعرك يغترف ألفاظه وأخيلته وقوالبه من نفس المنبع الذي يغترفان منه. . وهنا مفرق الطريق بين نظرتين تفضل إحداهما شعر يوسف حداد وتفضل الأخرى شعر أباظة والعطار. ولست أريد من وراء هذه اللفتة العابرة أن أخرج شعر الشاعرين من دائرة الأداء النفسي، كلا! وإنما أريد أن أقول أن الوثبات الشعرية التي تحلق باللفظ والخيال فوق المستوى المألوف في أفق الشعراء، هي التي تدفعني إلى أن أزن قصيدة (الشاعر) ليوسف حداد بنفس الميزان الذي أزن به القصيدة (راقصة الحانة) لعلي محمود طه وقصيدة (الطلاسم) لإيليا أبي ماضي. . وهو مستوى من التحليق لم يبلغه بعد شعر عزيز أباظة ولا شعر أنور العطار! إن هناك يا آنستي لونا من الشعر يعجبني ولونا آخر يهزني. . . وكلا اللونين يرضى عنهما (الأداء النفسي) ولكنه الرضا الذي تختلف