للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الريف تعيش بين الحقول والدين. وانكشفت أفكاره الفجة عن أمانيه من السذاجة والبله لم يهذبها الكتاب ولا شدبها الدرس. . أفانين من السذاجة والبله تغلغلت في نفسه لأنه عاش عمره في سجن من حديد. . . أو قفص من ذهب لم يبل الفضاء ولا عرك الحياة

وأراد الشاب أن يكون مدرساً فكان له ما أراد

ونسى الشاب أن المدرس رجل حبته الحياة بصنوف من البلاء أيسرها الإرهاق في العمل والإملاق من المال، وأقلها أنه رجل مغموط الحق موزع النفس يحاسب حساباً عسيراً على عمل من لا يحسن العمل ولا يستشعر المسئولية. أو لعله استمرأ الشظف واستعذب المتربة فأطمئن إليهما فأختار أن يعيش بينهما أبداً

واختار له أبوه، فتزوج الفتى من فتاة ريفية من ذوي قرابته فيها الجمال والرقة وفيها الثراء والقناعة وفيها الطاعة والوفاء. ووجدت الحكومة في الفتى اللين والانقياد فطوحت به في أنحاء البلاد تدفعه من قرية إلى قرية، وزوجته لا تحس العنت ولا الضيق، وهو صامت لا يجأر بالشكوى ولا يئن من ظلم. وأنى له أن يفعل وهو لا يجد الوسيلة ولا يحسن الزلفى ولا يعتمد على كبير من ذوي المكانة والجاه، فقضى عمراً طويلاً من عمره تتقاذفه النوى وتتجاذبه القرى

ورضيت نفس الفتى فأطمئن فأحس بالسعادة والنعيم

وابتسمت له الحياة فنقلته الحكومة إلى القاهرة ليعيش في المدينة الزاخرة على حيد الطريق بين زوجته وأولاده، مثلما يعيش القروي في قريته، لا يندفع في غمار المدينة ولا يغتمر في صخب الحضارة ولا عجب فنوازعه الريفية ما تزال هناك تضطرب بين الحقل والدين.

وفي القاهرة وجد الفتى رفاقاً في المدرسة ينزعونه من خلوته وهو يصبو إلى المتعة، وفي المقهى ألفى صحاباً يصرفونه عن الدار وهو يحن للحرية، وفي السيما أصاب أصدقاء يجذبونه عن الزوجة والولد وهو يهفو إلى اللذة. وأوشك الفتى أن يتردى في هاوية ما لها من قرار، ولكن روح الدين كانت تضطرم في نفسه - بين الحين والحين - فتردعه عن الغي وترده إلى الدار والزوجة والولد، غير أن شياطين المدينة كانوا ينفذون - دائماً - إلى نفسه بأساليب شيطانية لا يسفل إليها عقله الديني الساذج، فيخضع لنزواتهم حيناً بعد حين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>