ثم نراه قبل أن أطغته نعمة سيف الدولة وأبطرته وقد تفرغ من مشاكل خبزه إلى ما نزع إليه المترفون من لين الحياة وبلهية العيش فيتصرف للعبث والمجون وتحن نفسه إلى وسوسة الكؤوس وعزة القيان والغلمان فيقول في غلام يهواه. -
بنفسي من أجود له بنفسي ... ويبخل بالتحية والسلام
ويلقاني بعزة مستطيل ... والقاه بذلة مستهام
وحتفي كامن في مقلتيه ... كمون الموت في حد الحسام
ثم يقول من خمرية له: -
ألا فاسقني الصهباء صرفا فإنني ... لمن لام فيها ما حييت مخالف
ألست ترى وشى الرياض كأنما تنشر في إرجائهن المطارف
ومشمولة شج السقاة كؤوسها ... فأشرق وجه الصبح والليل عاكف
ولاح على الكاسات فاضلها كما ... تلوح على خمر الخدود السوالف
ثن يتناسى أيامه الأولى. - أيام ضيقه وشقاه أيام قال فيها.
هي الأيام أن جمحت عندا ... أذلت كل جبار عنيد
تنام وتترك الإحداق يقظى ... ولوع للطيف بالركب الهجود
ويوم قال فيه. -
الدهر كالنشوان في إصلاحه ... ما راح يصلحه وفي إفساده
راع لنا يجتاح دثر سوامه ... = وأب لنا يسطو على أولاده
ويوم قال. -
سفرت رجوت به النهاية في الغنى ... فبلغت منه نهاية الإملاق
مثل الهلال أغذ شهرا كاملا ... فرماه آخر شهره بمحاق
ويوم قال. -
قوض خيامك من دار ظلمت بها ... وجانب الذل أن الذل يجتنب
وأرحل إذا كانت الأوطان مضيعة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب
كل هذا يتناساه شاعرنا الرفاء ويغمس نفسه باللذة انغماس المترف البطر الذي بسمت له الحياة فأنسته متاعب العيش وأوصاب الحياة لا يعنيه شيء من دنياه غير الغادة والغلام