للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أدب النفس أو أدب التراجم الذاتية، يوم أن أعرب عن رغبته في أن يقدم عن كاتب هذه السطور حديثه الثالث من محطة هلفرسم للإذاعة العربية، في سلسلة أحاديثه التي بدأها بكلمة نقدية عن الأستاذ توفيق الحكيم أعقبها بكلمة أخرى عن الدكتور طه حسين. . لقد قلت للأستاذ الفاضل يومئذ وهو يطلب إلى أن أتحدث عن نفسي حديث التأمل الباطني والصراحة المحببة، لأعينه على أن يطيل الوقوف ويخرج ببعض الزوايا ويحدد بعض الخطوط؛ قلت له يومئذ في مجال الرد على رغبته الكريمة: (ودراسة الحياة النفسية لأديب من الأدباء تقضي من الدارسين أن يتصلوا اتصالا مباشرا بهذه الحياة بغية المراقبة والملاحظة والتسجيل. . وإذن فلا مناص من المصاحبة والمباشرة بين الناقد والمنقود لتتكشف الشخصية الإنسانية للدارسين من خلال ثوبها الطبيعي الذي يشف عما تحته بلا تعمل ولا تكلف ولا رياء. ذلك لأن البيئة التي نعيش فيها والمجتمع الذي نضطرب فيه، لا يهيئان لنا أن نتحدث عن أنفسنا حديث الصراحة السافرة التي تعنى بإبراز المحاسن والمآثر عنايتها بإبراز المساوئ والعيوب. وليس من شك في أن الأستاذ السنوسي يلتمس لنا بعض العذر إذ قلنا له أن الحديث عن النفس شيء عسير، ولا نقول شيء بغيض كما يحلو لبعض المتجرين بالتواضع أن يصفوه! عسير لأن المجتمع الذي نتنفس في رحابه سيهمنا مرة أخرى إذا ما عرضناها في صورتها الحقيقية وهي في كنف الظلام. .

نحن إذن معشر الأدباء متهمون في كلا الحالين، ولكن الأمر يختلف كل الاختلاف إذا ما كتب عنا الآخرون لأنهم في نظر المجتمع قضاة محايدون. . هذا إذا قدر لهم أن يطلعوا على ما خفي وما ظهر في حياة المنقودين من شتى الميول والنزعات! لو كنا في بيئة غير البيئة ومجتمع غير المجتمع لتحدثنا عن أنفسنا حديث الذين لا يخشون لومة لائم ولا اتهام متهم، ولا جناية حان على حقيقة الطبائع النفسية كما فطرها الله وكما قدر لها أن تكون. . ولكننا بهذه الأوضاع الاجتماعية في الشرق لا نستطيع. وإذا أتيح لنا أن نتحدث إلى الغير من حياتنا الذاتية بجوانبها المشرقة والمظلمة، فهي الإتاحة التي تدفعنا إلى ذكر بعض الحق والتستر على البعض الآخر، وحياة كهذه يحال بيننا وبين التحدث عنها بكل الحق هي في رأينا حياة لا يطمئن إليها الدارسون! إننا نبغي من وراء الدراسة النفسية لحياة أديب من الأدباء أن نضع أيدينا على مفتاح شخصيته الإنسانية، ورب حادث تافه يتحرج الكاتب من

<<  <  ج:
ص:  >  >>