للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تلفت حولي على أجد أثرا أو ملامح أو قسمات أو مظهرا واحدا من مظاهر (الوعي القومي) فلقيت - يا للحزن والخجل مما لقيت - لقيت أهالي حلب وحماه وحمص، رأيت دوائر الحكومة تغص بالحلبيين الشماليين، ولم أسمع أني جلست مجالس الرجال العاملين، إلا لهجة حلبية وأضراسا صلبة تقضم لحوم الدمشقيين، سمعت أقوالا في (الشاميين) تكفيني الإشارة إليها كفاية المغصوص بجرعة من الماء.

لقد عاب الشعب على حكومة الثورة فعالها فأسقطها بعد أن رجمها بالحجارة لا بحجر واحد، لقد أسقطها (المجنون) لقلة خبرتها ومرانها بالحكم. لقد أسقطها (الضباط) ليسلموا مقاليد البلاد إلى (الارتجاليين)، لقد ذبح الارتجاليون الحرية في سورية بأسياف الجيش، وكسروا الأقلام التي تخط حروفا تؤلف (الوعي القومي).

٤) لست بآسف على تسميتي (ديكتاتور) سوريا بالمجنونلأن حسني الزعيم، يرحمه الله، لم يكن ينقصه من صفات الزعامة وخصائص الدكتاتور، سوى العقل والمعرفة ولا شيء سواهما، وبرغم هذا النقص البسيط كان وما زال معبود الشعب، وأن كثيرا من الناس في سوريا يبكونه ويذكرون عهده الرخي وأيامه الرغدة.

أي والله، لقد رأيت في سورية أناسا يبكون الزعيم وهم لا يدرون أنهم يبكون كرامتهم وحريتهم وإنسانيتهم وقيمتهم الاجتماعية، وعجبت لهذه المتناقضات والأوضاع المقلوبة، أنه لمن المؤسف حقا أن يجول في الخاطر السوري ما يسيء الظن بالتفكير السوري الموسوم بالسليم.

قاتل الزعيم الرشوة وسوء الإدارة بقلب الأوضاع الثابتة انقلابا، أصيب الطاغية برعن الحكم فمات بيد حساده من ضباط الجيش، انقلب حساده جبابرة وهم أقزام، طاب لقزم من الضباط أن يقلد زعيم الأتراك مصطفى كمال فأخذ يسكر ويسكر، يحكي ويحكي، وطاب له مرة ثانية أن يمتحن مبلغ سلطانه ليؤمن بنفسه وهو سكران، تناول الضابط العظيم سماعة التلفون وخاطب كبير الوزراء داعيا إياه إلى الاستقالة فاستقال، صحا السكير فقرأ في صحف الصباح خبر استقالة الوزارة فدهش، وأراد عندما استفاق، استدرك عبثه ولكن بعد فوات الوقت، ولم تجد وساطة رئيس الجمهورية بين العازل والمعزول!!

في سورية اليوم إدارتان للحكم، مستترة وظاهرة. لست أريد الكلام في الإدارة المستترة

<<  <  ج:
ص:  >  >>