والاستماحة. فهو دائما العزيز الكريم، وهو أبدا الأبي الأشم.
وأنه لعند المهدي ذات يوم إذ سأله: فيمن تعتد يا بشار؟، فقال: أما اللسان والزي فغريمان، وأما الأصل فعجمي، كما قلت في شعري: -
ونبئت قوما بهم جنة ... يقولون من ذا وكنت العلم
ألا أيها السائلي جاهدا ... ليعرفني، أنا أنف الكرم
نمت في الكرام بني عامر ... فرومي، وأصلى قريش العجم
حتى قال:
فأني لأغني غناء الفتى ... وأصبى الفتاة فما نعتصم
وكان أبو دلامة حاضرا، وكان الملق كذلك حاضرا، فقال كلا!، لوجهك أقبح من ذاك، ووجهي مع وجهك!. قال بشار: ما رأيت رجلا كاليوم أصدق على نفسه، وأكذب على جليسه منك. والله أني لطويل القامة، عظيم الهامة، تام الألواح، للعين فيه مراد. ثم يسأله المهدي: من أي العجم أصلك؟ فيقول: من أكثرها في الفرسان، وأشدها على الأقران. أهل طخارستان!
ليت شعري ما يكون شعور الخليفة على هذا الذي يتزيد ويتعالى، ويحدث عن نفسه وقومه هذا الحديث الغالي أمام خليفة لا يرى فيالأرضيدا فوق يده ولا أحدا مع ذاته.
ولكنها نحيزة بشار في ذهابه بنفسه ومعرفة حقها.
ولم يكن طنزه بخال الخليفة وسخريته منه إلا ضربا من احترام النفس. فقد حدثوا أن يزيد بن منصور الحميري، دخل على المهدي وبين يديه بشار ينشده شعرا، فلما فرغ بشار أقبل عليه يزيد، وقال له: يا شيخ! ما صناعتك؟ فقال بشار ساخرا: أثقب اللؤلؤ!، فضحك المهدي ثم قال لبشار: أغرب ويلك أتتنادر على خالي! فقال: وما أصنع به، يرى شيخا أعمى ينشد شعرا، ويسأله ما صناعته؟.
إذن لم يهتم بشار لاستنكار الخليفة، ولكنه مضى في تبرير سخريته وهزئه من خال الخليفة، ولعمري ما يكون هذا إلا من نفسه مرة لا تلتوي ولا تتعوج، ولكن ذلك ولا شك تارك من السخيمة عليه في نفس الخليفة ما هو تارك!
هذا الحفاظ المر والخلق الوعر، ولا يصلح قط للاتصال بالخلفاء والاحتكاك بهم. لأنه