للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجني على (الميزانية) المخصصة للأقمشة الحريرية عند بعض المتشبهين بأبناء الذوات. . من اليسير جدا أن ينفق القارئ المصري عشر دقائق من وقته في قراءة مقال، وقرشين من جيبه ثمنا لمجلة تحمل إليه هذا المقال، ولكنه يضيق كل الضيق وينفر كل النفور من صحبة كتاب نفيس، لأنه يضن عليه بالوقت الذي لن يتعدى الساعتين وبالقروش التي لن تزيد على عشرين! أنا إذا لا أشكو من قراء المقالة يا صديقي العزيز، لأنني ألقاهم كل أسبوع في هذا المكان، ولكنني أشكو من قراء الكتب وأشفق من لقائهم في ومقبل الأيام. . إن عيبي - وقد يكون هذا العيب مزية - وهو أنني أعيش حياتي كلها في عالم الواقع، وعالم الواقع هو الذي يدفعني إلى أن أزن الأمور بميزانها الصحيح، وأن أقول لنفسي اليوم كما قلت لها بالأمس: تريث قليلا حتى يقدر الله لهذه الأزمة أن تنجلي ولهذه الغمة أن تزول، ويجد القراء من وقتهم ومالهم وجهدهم ما يعينهم على شراء الكتب التي تستحق بذل الوقت والجهد والمال!

لا تظن أنني وحدي الذي أشفق على مستقبل الكتاب المصري وأنظر إليه هذه النظرة القاتمة، حسبك أن ترجع إلى تلك القصة التي تحدث عنها توفيق الحكيم يوما في (أخبار اليوم) ثم عرضت لها بالتعقيب على صفحات (الرسالة): ترى هل تذكر تلك القصة التي رواها الأستاذ الحكيم عن تلك المكتبة العامرة بالكتب في أشهر ميادين القاهرة، كيف تحولت أخيرا إلى حانوت للمرطبات؟! إن صاحبها كما يقول هو صاحبها لم يتغير، ولكنه قلب نفسه بكل بساطة من (كتبي) إلى (شربتلي). وعندما سئل في ذلك قال: الناس لا يريدون اليوم عصير الذهن، ولكنهم يريدون عصير الليمون!!

ماذا أقول لك بعد هذه القصة! حسبك أن العقاد يشكو، وأن توفيق الحكيم يسخط، وأن أصحاب دور النشر يضجون من كساد الكتب وإعراض القراء. . وحتى الأسواق الخارجية التي كنا نعتمد عليها في الترويج للكتاب المصري - وأعني بها أسواق سورية ولبنان والعراق وشرق الأردن وفلسطين والحجاز - قد أغلقتها في وجوهنا وزارة المالية المصرية، حين قررت أن يدفع أصحاب المكاتب هناك أثمان الكتب قبل أن تتصفحها الأيدي وتتملاها العيون. . أرأيت قرار أعجب من هذا القرار؟ لقد ترتب عليه أن أمتنع أصحاب تلك المكاتب عن التنفيذ، لأنهم ليسوا مغفلين حتى يدفعوا أثمان كتب لم يعرضوها

<<  <  ج:
ص:  >  >>