وأنا أسيء إلى الأدب والذوق معا، إذا ما استرسلت في تصيد المهاترات التي حفل بها الكتاب، ويكفيني هذا القدر للتدليل على الجرأة البغيضة التي لا تحدها رزانة ولا يكبحها تواضع. وظني أنه فعل ليثير أعلام الأدب فيكتبوا عن كتابه ويطيلوا الكلام ولكنهم - على ما يظهر - اخلفوا ظنه وأفسدوا تدبيره.
والكتاب بعد ذلك مليء بالمغالطات التي لا تليق بباحث ناقد قد يكون من ألزم صفاته الأمانة العلمية وتحري الحق والصدق. ومن الأمور التي تكشف عن هذه الصفة كشفا واضحا ذلك التعليق المتلوي على كلام للأستاذ السباعي:
قال السباعي شارحا لنشأة الشعر والنثر:(وهنا نسأل نواميس الطبيعة والكون وعوامل النشوء والارتقاء أيهما لذلك يجب أن يكون أسبق كونا وأقدم وجودا فيكون الجواب لا محالة ما أجبنا به آنفا من أن النثر أسبق من الشعر).
فقال المؤلف من كلام له:(لكن الذي يحيرني جدا هو أن الأستاذ سألأيضاًعوامل النشوء والارتقاء. أيؤمن هذا الأستاذ الفاضل إذن بعوامل النشوء والارتقاء؟ أولا يؤمن بالخالق؟ أولا يؤمن بأن الله خلق النبات والسمك والضفدع والثعبان والفأر والنمر والجمل والحصان والقرد والإنسان خلقا منفصلا لكل جنس منها على حدة؟ أيؤمن إذن بأن أجناس الحياة (نشأت) و (ارتقت) وتسلسل بعضها عن بعض؟ أيؤمن بأن عوامل الطبيعة المتعددة هي التي أبرزتها إلى الوجود في ألوف الملايين من السنين دون تدخل قوة إلهيه؟ وكيف يوفق الأستاذ إذن بين هذا الاعتقاد وبينما تنطق به الآيات القرآنية وما تقرره عقائد السلف؟ أما لعله من القلائل في الدنيا الذين استطاعوا أن يوفقوا بين دينهم وبين حقائق العلم؟).
إنني أعتقد أن القارئ سيقف حائرا أمام هذا الكلام لا يدري ماذا يريد المؤلف؟! أهو جاد فيما يقول مقتنع بصواب تعليقه؟ أمهو مضلل أراد الخداع والمغالطة؟ إن كان جاد فقد وهم حيث لا يجمل الوهم بمؤلف، وإن كان مضللا كانت البلية أشد وأعظم. فهل رأى أن كلمتي النشوء والارتقاء محرومتان لا تذكران في أي كلام؟ وهل رأى في ذكرهما مروقا عن الدين وإمعانا في الإلحاد؟ وهل جهل أن كل علم ينشأ ضئيلا محدودا ثم يرتقي على مر الزمان؟ أي جريمة اجترها السباعي حينما قال إن فنا من الفنون قد خضع لعوامل النشوء والارتقاء؟