التي حملتها إلى رسالته عن الرسام السريالي (بيكاسو) معلومات لا غبار عليها من الناحية التاريخية، ولكنها في حاجة إلى أن نزيل عنها الغبار من الناحية الفنية! لقد قلت عن (بيكاسو) إنه أسباني المولد ولكنه فرنسي النشأة، ومع أنني أعلم أنه أمضى في أسبانيا تسعة عشر عاما من سنى حياته التي أشرفت على السبعين مع هذا فقد قلت عنه ما قلت. لأن نشأة الفنان لا تقاس بهذه الفترة الصغيرة التي لا تنضج فنا ولا تعلي قدر ولا تسلك اسماً من الأسماء في عداد المشهورين! فإذا قلنا إن (بيكاسو) فرنسي النشأة، فإنما نعني النشأة (الفنية) الصحيحة التي تهيئ للفنان أن يكون فنانا، له أسمه وشهرته ومكانته. . . ومعنا هذا، أن تلك الأعوام التسعة عشر التي قضاها (بيكاسو) في أسبانيا، تعد بالنسبة إلى الحياة الفنية الحقة (مولد فنان)؛ ولكن تلك الأعوام الخمسين التي قضاها في فرنسا هي التي تعد بالنسبة إلى تلك الحياة (نشأة فنان). . ترى هل فهمني الأديب الفاضل وأنا احدد الفوارق الفنية بين (المولد) و (النشأة) في حيا ' الفنانين؟!
أريد أن أقول له إن شهرة (بيكاسو) الواسعة، وأسمه اللامع، ومذهبه الكلاسيكي القديم ومذهبه السريالي الجديد، كل هذه القيم الفنية لم يقدر لها أن تكون حقيقة ملموسة إلا في ضل هذه النشأة الفرنسية التي امتدت خمسين عاما. . أما قبل ذلك، فقد كان صبيا صغيرا يتلقى الأصول الأولى لفن الرسم في المدارس الأسبانية، وهي أصول لم تستطع أن تخلق الفنان الذي طبقت شهرته الآفاق. إن التسعة عشر عاما لم تصنع (بيكاسو) الذي يعرفه الناس، ولكن الخمسين عاما هي التي صنعت المعجزات. . هو إذا أسباني المولد ولكنه فرنسي النشأة، ولا أحب للأديب الفاضل، طالب الفنون الجميلة، أن يجادل في هذه الحقائق الفنية!
أما عن معرض الفن الأسباني الذي أقيم في القاهرة فقد زرته وشاهدت ما فيه من لوحات. . وأود أن أقول للأديب الفاضل إن بعض لوحات (بيكاسو) قد أقحمت إقحاما في هذا المعرض، بقصد الترويج للفن الأسباني على حساب هذا الفنان الفرنسي. . لأن رجلا مثل (بيكاسو) قد تجنس بالجنسية الفرنسية منذ خمسين عاما، وسجل أسمه ضمن مجموعة الرسامين الفرنسيين في متحف (اللوفر) بباريس، ولا يتحدث عنه (سارتر) و (جان كوكتو) إلا ويقولون عنه: (الفنان الفرنسي) مثل هذا الرجل (تتمسح) فيه الحكومة الأسبانية حين