علي محمود طه، وقصيدة (الطلاسم) لأبي ماضي، في مستوى واحد، وتنسبون القصائد الثلاث إلى هذا الشعر الذي يتمثل وحيا معبرا، قوامه الحركة النفسية، والدفقة الوجدانية، والوثبة الخيالية، هذا الشعر الذي ما إن تقبل عليه حتى تشعر أنه ينقلك إلى جو كله رفيف، وكله أمل، وكله سلام. . جو من الأحلام، واللذائذ، والأناشيد المرقصة. . وأشهد مرة ثانية لقد أصبتم محجة الصواب في هذه المقابلة!
ثم. . . رأيتكم تجمعون في الطرف الآخر بين عزيز أباظة وأنور العطار، في صعيد واحد! وهنا أسمح لنفسي أن أختلف وإياكم بعد اتفاق، اختلف وإياكم في أمر العطار، بعد اتفاق تام معكم في كل ما رأيتموه في شاعريته، اليوم عند تمييزكم لشعره عن شعر الفئة الأولى، وأمس عند تمييزكم لقصيدة الحداد على قصيدة العطار. . وهنا أبادر بالقول إن شعر العطار ليس - على ما أرى في ظبقة شعر عزيز أباظة، ولا يمكن أن يبلغ مستواه!
أقول ذلك، وأنا قد قرأت الكثير من شعر أباظة: فهزني، وأطربني؛ وأثارني، وأشجاني، وحلق بي في جواء من الجمال والجلال والتسامي. . وأقوله، وأنا قد قرأت الكثير أيضا من شعر العطار الذي نشره، بل وقد سمعت العطار نفسه يلقى بعضه، في بعض المجامع والمناسبات. فلم أشعر بتلك الهزة، ولم أجد في نفسي أثر تلك اللذة، ولم يحفزني شيء فيه إلى التهويم مع الشاعر في واد، أو التدويم على جناحه في أفق!
شعر العطار - الذي عرفناه له على الأقل، شعر صناعة وألفاظ. . شعر عبارات مات فيها الجرس، وصور انفطعأت فيها الألوان وخمد البريق، ومعان أكرهت على السكون بعضها إلى بعض، فلم تكد تأتلف، ولم يكد يأنس شيء منها بشيء. . وهل نحن بعيد وعهد بقصيدته (بردى) و (عبقرية الفن) اللتين نشرتهما له (الرسالة) منذ قريب؟ إنهما قصيدتان نموذجيتان من شعره، تدلان أصدق دلالة وأوضحها على شاعرية الشاعر. . فهل يخرج منهما القارئ بشيء؟ اللهم إلا بهذه الطائفة الفنية (حقا) من مختارات الألفاظ. . كأنما الشعر الجميل ديوان المفردات الجميلة، أو قاموسها!! وبعد، فشعر العطار كما أراه، عمل ذهني، وجهد لغوي، لا يمت إلى شعر (الأداء النفسي) بصلة. . ولا كذلك شعر أباظة.
ووقفة أخرى وقفتها عند إشارتكم إلى قصيدة (الشاعر) للحداد، وتعقيبكم على هذه الإشارة بقولكم:(وقد تكون فلتة من الفلتات التي يصعب أن تتكرر من حين إلى حين). . نعم، قد