ولما كان الأزهر مقبلا على عهد جديد، ولما كانت مثل هذه الكتابات تنبه الأذهان، كان من الواجب على الحريصين على سمعة الأزهر، والراغبين في الإصلاح الحقيقي أن يناقشوا هذه الآراء.
ولا أدري لماذا يكره كثير من الأزهريين الكلام في إصلاح الأزهر، أو النقد لما ينتجه الأزهريون من كتب، وما يطبعه أبناؤه من مؤلفات، وما - يجمعونه أحيانًا - من الكتب القديمة ويسمونه تجديدا؟
وطالما تردد في نفسي أن أكتب عن كتب أزهرية، أو أشترك في المجادلات التي دارت وتدور حول إصلاح الأزهر، أو أبدي رأيي في تخصص المادة بالذات، ولكن كان يمنعني أن بعض الأزهريين يضيقون أشد الضيق بالصراحة والحق فكنت أسكت على مضض، فلما كان مقال الأستاذ خفاجي رأيت الفرصة سانحة لأن أجهر بحق طالما كتمته.
وقبل أن أخوض في الموضوع أحب أن يفهم الذين يعنيهم هذا المقال أني لا أقصد الجميع، وإنما أقصد المجموع على حد تعبيرنا الأزهري، وأن من بين الذين تخرجوا في تخصص المادة من هم في الطليعة بين أساتذة، الأزهر وأني أحمل للجميع كل مودة واحترام، ولكن لنستجيب مرة لصوت الحق.
وأعود إلى الموضوع فأقول: أما أن إعادة الدراسة في هذا التخصص واجبة فلا ثم لا، وأما أن هذا التخصص أخفق في أداء رسالته فنعم ثم نعم.
لقد فكر الشيخ المراغي عليه سحائب الرحمات في إنشاء هذا التخصص، وكان يأمل أن يخرج منه أبو حنيفة في الرأي، ومالك في الفقه، وعبد القاهر في البلاغة، وسيبويه في النحو. . وهكذا، فلما حضر مناقشة الفرقة الأولى، ورأى ما هم عليه اعتراه بعض الشك.
أما الرسائل التي يقول الأستاذ خفاجي أن فيها جهدا كبيرا، وألوانا جديدة من البحث والتحليل، فيؤسفنا أن نقول أن البلاغة العربية لا تزال كما قعدها السكاكي، وأن النحو العربي لا يزال كما وضعه نحاة البصرة والكوفة في القرنين الثاني والثالث، ونقول مثل ذلك في الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام، وأن هذه الرسائل لم تضف مسألة جديدة إلى العلم. نعم إن في بعض هذه الرسائل جهودا، ولكن هذه الجهود ليست في الاجتهاد والإصلاح، ولكنها في الجمع والتأليف، على أن الأستاذ خفاجي يضطرنا إلى أن