الرائعة؟ أهذا صاحب الأشعار الرقيقة ورئيس تحرير السياسة والبلاغ؟ أهذا هو المجلي بين كتاب الرسالة؟ فمن كانت هذه مؤلفاته وهذه كتاباته وهذه شهرته بحب أن يضارع على الأقل سميه الساطي بضخامة جسمه، وعوج بن عناق بطول المفرط وعنترة بن شداد أخا عبس بشجاعته وقوته. إن قائدا كبيرا من قواد الأدب وفاتحا عظيما من فاتحي القلوب يجب أن يضمه جسم غير هذا الجسم إذا قيست عظمة الأعمال بعظمة الأبدان. . . حقا إن المازني يعد بكبير عمله مع ضآلة جسمه من الأعاجيب. قلبت يومئذ صور الأشخاص الذين أعرفهم والذين وقع نظري عليهم عساني أرى لهذا المخلوق العجيب شبيها من الصور التي أعرفها؛ فتمثلت أمامي صورة الشقي الفلسطيني المعروف المسمى (أبو جلدة) فقلت بنفسي ما أشبه هذا بذاك. فكتبت مقالا للانتقام بهذا الشبه ودفعته للمازني بيده فضحك رحمه الله كثيرا وكان المقال طريفا للغاية جاء في بعض فقراته. . . أجل إن المازني يشبه أبا جلدة من وجوه عدة مهما تنصل من هذا التشبيه واتخذ الألوان والأصباغ ليدرأ عن نفسه هذه التهمة.
فذاك كان مليك الصحاري والقفار، ومخيف السلطات في جبال النار، وهذا مليك الأقلام وصاحب المراوغات والمصاولات الأدبية المخيفة. ذاك كان سارق الجيوب وقاتل النفوس ومزعج السلطات والإقطاعيين البخيلين، وهذا سارق العقول بأساليبه الغريبة، وخالب الألباب، وقاتل الدجالين من المتأدبين بنقده المرير، ومزعج الأدباء من خصومه بتهكمه المرير ومنجله الحاصد. فويل (لخفافيش الأدب من هذا المنجل العضب، وويل للدجالين من هذا القلم الجموح الخالق المبدع).
ولقد كنا نسمع بأعمال أبي جلدة عن بعد فنعجب به، ولما تكشفت لنا حقيقة جسمه وضعفه وهزاله ازددنا به عجبا لصدور هذه الحوارق من رجل هزيل مثله.
كما أنّا كنّا نقرأ كتب المازني ومقالاته فنعجب بها ونسحر، والآن قد ازددنا سرورا وعجبا عندما أبصرنا أن هذه المنتوجات الأدبية تقوم على جسم نحيل ضئيل كجسمه. فحيا الله تربة أنبتته وأما حفلت به وأرضعته ثدييها، فلقد فتح لنا بأسلوبه التهكمي ودعابته الجميلة طرفا في الأدب لم تكن من قبل معروفة في لغة الضاد منذ عصر الجاحظ، فإنه (جاحظي) في أسلوبه وسخريته وكتاباته؛ لذا فهو قمين بزعامة الأدب في هذا العصر، وحق له