ومع ذلك فإن الشعر الذي نشر في ذلك الوقت يفيض بالأسى والحزن ويعرب عن حقد شديد على هذا السلطان العابث. ومثال ذلك قول حافظ إبراهيم:
عبد العزيز لقد ذكرتنا أمما ... كانت جوارك في لهو وفي طرب
ذكرتنا يوم ضاعت أرض أندلس ... الحرب بالباب والسلطان في اللعب
فاحذر على التخت أن يسري الخراب له ... فتخت سلطانة أعدي من الجرب
وفي هذه الأبيات يقف الشاعر حزينا متحسرا لتلك الحال التي ذكرته بما كانت عليه الأمور في بلاد الأندلس من اختلال، متوقعا لمراكش نفس المصير الذي لاقته بلاد الأندلس من قبل نتيجة لانغماس ملوكها في اللهو واللعب، وإهمالهم لشؤون الملك حتى ضاع من أيديهم فناحوا بعد ذلك عليه كما تنوح النساء ولم يجدهم ذلك نفعا وذهبت البلاد من أيديهم. وقد حاول حافظ أن يسوق هذه الذكرى المؤلمة لسلطان مراكش لعله ينتفع بها ويقلع عن غيه ويعمل لما فيه صالح رعيته قبل أن يغرقه الطوفان.
وقال آخر:
قالوا الخليفة في فاس أحق بها ... من فرع عثمان فرع الفضل والحود
فقلت إن صدقت دعواكم النمسوا ... خليفة الله بين الناي والعود
شر الخلافة ما قد بات صاحبه ... ما بين (مرسي وشلهوب ومحمود)
وبين (سلطانة) لا بين سلطنة ... تلهية عن كل تدبير وتسديد
يا مرخيا لهوى النفس العنان أفق ... واشفق على رمق باق به تودي
هلا نهاك اتفاق (الدولتين) غدا ... عن اتفاق مع القينات والغيد
وهذه الأبيات تمتاز بأنها تتناول حال سلاطين تركيا وحال سلاطين مراكش بالموازنة. والشاعر هنا يرد على من يريدون نقل الخلافة من سلاطين تركيا إلى سلاطين مراكش الذين يدعون الانتساب إلى الرسول فيسفه آراءهم ويخطئ أفكارهم ويقول لهم انظروا إلى هذا السلطان المراكشي الذي يريدون تنصيبه خليفة للمسلمين فهو عاكف على اللذات منغمس في الشهوات منفق المال بغير حساب على المغنيات. ومثل هذا السلطان لا يصلح بالطبع لأن يشغل منصب الخلافة. ثم ختم هذه الأبيات بالوعظ والتذكير والتوبيخ والتقريع الذي ساقه إلى السلطان في غير رفق ولا لين.