فانظر إلى ما في هذه الأبيات من الصور والمعاني وعبارات الهجاء اللاذع كما في قوله (أنت كالقدر. .) وإلى ما فيها من التهكم والسخرية، والموازنة بين حالة الفرنسيين الذين كانوا يجسدون في امتلاك مراكش وما يقابل ذلك من غفلة السلطان وقعوده عن الذود عن بلاده، واشتغاله بتوافه الأمور وركونه إلى اللهو واللعب. وأنه لم يجد أمامه ما يفعله بإزاء تلك الخطوب التي حاقت ببلاده سوى إنفاق الأموال الطائلة على المغنيات في الوقت الذي اضطربت فيه الأحوال المالية في بلاده اضطرابا مهد للفرنسيين السبيل لبسط حمايتهم على البلاد وإذلالها.
وقال أحمد نسيم:
ليتني قادر على اللهو يوما ... فيه يشجى الفؤاد نقر الدفوف
عن عبد العزيز في كل خطب ... هذه عيشة الفتى الفيلسوف
لم يستطع أحمد نسيم وكان أجيرا لسلطات الاحتلال في مصر في ذلك الوقت أن يقول أكثر من هذا. وماذا يقول وهو الذي كان يشيد بفضل الاحتلال البريطاني ويسبح بحمده؟ والاتفاق الودي أثر من آثار هذا الاحتلال. وفيه اعترفت فرنسا لإنجلترا بمركزها في مصر كما أطلقت بريطانيا يد فرنسا في مراكش. فأحمد نسيم اعتبر سلطان مراكش فيلسوفا يعيش عيشة الفلاسفة. وهو يحض السلطان على سماع الغناء والانغماس في اللذات في أوقات المحن والخطوب. فإن هذا العمل في نظر أحمد نسيم شاعر الاحتلال من الأعمال المحمودة التي تليق بالفلاسفة في نظر هذا الشاعر هم الذين يتركون شعوبهم تموت جوعا، بينما هم ينغمسون في الشهوات دون حسيب أو رقيب.
وقال إمام العبد:
لاموا الفتاة وما سرت بطبولها ... غلا لتوقظ أمة نعسانه
لما رأت سلطانهم في نشوة ... راحت ثدير شؤونهم (سلطانة)