للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إن الصنوبري عزيز على صاحبه أثير لديه إلى الحد الذي يقول معه:

ولو سفكت يداه دم ابن عمي ... أو ابني لم أثره ولم أعاده

ولو قتلى أراد قتلت نفسي ... له عمداً ليبلغ من مراده

ولا يخفى ما في هذين البيتين من مبالغة غير مقبولة، ولكنهما على كل حال يصوران هذه الأخوة الوثيقة بين الرجلين.

وإذا كنت قد لمست آثار هذا الحب بادية في شعر كشاجم، فأنظر معي في قول صاحبه:

إذا انتسب الثقاة إلى وفاء ... فحسبك بانتسابي وانتسابه

على أني وإن حزت الثريا ... فلست أقاس بعد إلى ترابه

ولو أقسمت أن المجد شيء ... له دون البرية لم أحابه

خليل كنت إن واريت شخصي ... رأت عيناك شخصي في ثيابه

حمامي في تنائيه ولكن ... حياتي حين يقرب في اقترابه

فأنت ترى أن الصنوبري قد أسرف في مجاملة صاحبه فلم يقتصر على أن غض من نفسه ورفع من قدر صديقه، ولكنه لو أقسم أن المجد شيء قد خص به كشاجم دون العالمين ما حنث في يمينه، ولا حابى صاحبه، وهذه لا شك مغالاة قد توحي - في بعض جوانبها - بأن الامتزاج والاختلاط بين الصديقين لم يصلا إلى درجة يسقط معها هذا التكلف، ولكن المسألة في ذاتها ربما لا تعدو أن تكون مبالغة شاعر ولا تعني شيئا غير الحفاوة بصاحبه والتعبير عن حبه له وتفانيه في إكرامه، كما يتفانى هو الآخر في إعزازه وتكريمه، ومع هذا فأنت تلمح - إلى جانب هذه المغالاة - آثار هذه الأخوة معتدلة مقبولة، لا تكثر فيها ولا تزيد، فإذا كان للثقاة أن ينتسبوا إلى الوفاء فهما خير من ينتسب إليه. . . فأنت إذا افتقدت أحدهما رأيته في شخص صاحبه.

ولعل هذه العلاقة القوية بين الرجلين كان لها أثرها في شعرهما ولا سيما في شعر كشاجم، الذي كان يجل صاحبه، فقد كان - على ما يبدو - أكبر منه سنا، وأشرف مهنة حينما اجتمعا في بلاط سيف الدولة حيث كان كشاجم طباخه والصنوبري خازنه. وربما دخل في حسابنا - إلى حد ما - أنه يعلوه أيضاً في الأصل والمحتد، فهذا عربي منسوب إلى ضبة بينما ذاك أعجمي. ثم إن له عليه من الأيادي البيضاء ما يردده كشاجم في شعره:

<<  <  ج:
ص:  >  >>