كم نعمة منه حليت بها ... لا الشنف يبلغها ولا القرط
ويد له بيضاء ضاحية ... مثل الملاءة حاكها القبط
ولعل قائلا يقول: ما شأن هذا كله وتأثره بصاحبه في الناحية الأدبية؟ ولكن الواقع أن هذه الأشياء كلها تهيئ جوا نفسيا خاصا يلعب دوره في إكبار الرجل لصاحبه، وتأثره به، أو تأثره إياه، هذا إلى ما عساه أن يجده في صاحبه، أو في أدب صاحبه من محاسن يجدر - في نظره - احتذاؤها والنسج على منوالها، ولكن الجو النفسي يضفي عليها هالة تزيدها جمالا وجلالا، ومن هنا تدرك سر إعجاب كشاجم بأدب صاحبه وعلمه:
ذاكره أو جاوره مختبرا ... تر منه بحرا ما له شط
وجنان آداب مثمرة ... ما زانها أثل ولا خمط
ولعل النعم التي حلى بها كشاجم من صاحبه، والأيادي البيضاء الضاحية التي أسبغها عليه، والتي رددها كثيرا في شعره كما رأينا، لعلها لم تقف عند الناحية المادية وحدها، وإنما تعدتها إلى ما عساه أن يكون قد أفاده منه في الناحية الأدبية الصرفة، فأنت إن (ذاكرت) صاحبه وجدته البحر علما وأدبا، وإن (جاورته) وجدته البحر جودا وكرما، وهكذا نرى أن المسألة ليست مسألة المادة وحدها؛ وإنما هي مسألة العلم والأدب أيضا، وهكذا المعنى الذي نلمحه في شعر كشاجم إزاء صديقه الصنوبري نراه يصرح به تصريحا في مدحه للحسين بن علي التنوخي:
علمت عبدك أن يصعر خده ... كبرا وأبهة على أصحابه
بمواهب ضاعفن من أمواله ... ومذكرات زدن في آدابه
وإنا حين نشير إلى تأثر كشاجم بصاحبه الصنوبري هذه الإشارة الخاطفة، إنما نرجئ الكلام المفصل في ذلك إلى الحديث في شعر كشاجم فيما يلي ذلك من فصول، غير أننا نستطيع الآن أن نقول إن الصنوبري حين أفاد كشاجم من طريق إيجابي، أفاده أيضامن الناحية السلبية، فهو أحيانا ينتقد شعره ويكايده وليس في شك في أن هذا العمل من شأنه أن يطلع المرء على عيوبه التي قد تخفي عليه، ويدفعه عن طريق غير مباشر إلى سد هذا النقص، ومحاولة الوصول إلى الكمال:
وكايدني ولم أرقط أحلى ... من المعشوق لفظا في كياده