معي حول رأي في شعر الشاعرين: عزيز أباظة وأنور العطار. وجوهر الخلاف أنني وضعت الشاعرين في طبق واحد فلم يقتنع الأديب الفاضل، ومضى يرفع من الشعر الأول ويخفض من الشعر الأخير؟ أو يدخل شعر أباظة في دائرة (الأداء النفسي) ليخرج منه شعر العطار! ومما جاء بكلمته في هذا الصدد قوله: (إن شعر العطار فيما أرى ليس في طبقه شعر عزيز أباظة ولا يمكن أن يبلغ مستواه. أنه شعر صناعة وألفاظ، شعر عبارات مات فيها الجرس، وصور انطفأت فيها الألوان وخمد البريق، ومعان أكرهت على السكون بعضها إلى بعض فلم تكد تأتلف، ولم يكد يأنس شيء منها بشيء. . أنه عمل ذهني وجهد لغوي، لا يمت إلى شعر (الأداء النفسي) بصلة، ولا كذلك شعر عزيز أباظة)!
من هذه الكلمات لتبين للقراء أن الأديب السوري يريد أن يجرد شعر العطار من كل ما يسلكه في إعداد الشعر. . . إلى هنا واقف قليلا لأقول له: إني لا أحب لملكته الناقدة أن تنزلق إلى طريق التجني وأن تندفع إلى سبيل الغلو، لأن كليهما يطمس الحقائق الفنية ويوحي إلى الأذهان بأن الأهواء وحدها هي التي تقود الرأي وتوجه الإبهام!
أنني حين قلت أن هناك لونين من الشعر يعجبني أحدهما ويهزني الآخر، لم أشأ أن أخرج اللون الأول - ومنه شعر العطار - من دائرة (الأداء النفسي) لأن ومضات هذا الأداء منبثقة في شعر هذا الشاعر بمقدر. ومعنى هذا أن وجودها بنسبة معينة أمر لاشك فيه. وعلى مدار هذه النسبة الفنية لتلك الومضات، أعني على مدار ما فيها من قوة وضعف أو من زيادة والنقص في شعر العطار وكل شعر، يتحدد المعنى الذي قصدت إليه حين قلت إن هناك شاعرا يعجبني بأدائه وآخر يهزني بهذا الأداء!
وإذا كنت قد قلت إن شعر العطار من ذلك اللون الذي يعجب ولا يطرب، فأرجو أن يفهم القراء أنني أتحدث عن هذا الشاعر منسوبا إلى كل شعره وليس إلى بعض القصائد أو بعض الأبيات، أعني أن الحكم الذي أصدرته كان حكيما منصبا على الشاغر في مجموعه، وهكذا يجب أن تكون كل الأحكام. . إن قصيدة (الشاعر) للعطار مثلا لا تهزني، وكذلك لا يهزني الكثير من شعره، ومع ذلك فإن إنتاجه الفني لا يخلو من الفلتات الشعرية الملحقة في بعض الأحيان، ولكن العبرة كما قلت هو أن ننظر إلى الشاعر في جملته، أعني أن نربط هذه النظرة بملكته الشعرية العامة لا الخاصة، وأن نركزها على طاقته الفنية التي تحددها