هذا الميزان الذي أقيمه هنا بالنسبة إلى شعر العطار، وهو نفس الميزان الذي أقمته بالنسبة إلى شعر عزيز أباظة، وهو بعينه الذي دعاني إلى شيء من التحفظ وأنا أقصر الحكم على شاعرية يوسف حداد، في نطاق هذه القصيدة الوحيدة التي لم أقرأ له غيرها من قبل. . . وليس هناك شيء من التراجع أو شيء من الفتور نحو إعجابي الذي لا يحد بقصيدة الشاعر اللبناني كما خيل إلى الأديب الفاضل، ولكنه الحرص البالغ على أن تكون الأحكام النقدية العامة على شاعرية الشعراء مرتكزة على الإنتاج العام!
ولا يمكن بحال أن أوافق الأديب السوري على مجموعة آرائه في شعر العطار، لأن من هذه الآراء ما لا يتفق مع الواقع كقوله أنه شعر صناعة وألفاظ، أو شعر عبارات مات فيها الجرس، وصور انطفأت فيها الألوان وخمد البريق. . لا يا صديقي! إن أنور العطار من أحلي الشراء جرسا ومن أكثرهم لمعان صور وإشعاع بريق، ولا أستطيع أبدا أن أضمه إلى قائمة الشعراء المصنوعين. . أنه في رأيي ورأى الحق شاعر مطبوع، كل ما ينقصه هو أن يتخلص من هذه القوالب الكلاسيكية التي يصب فيها شعره في كثير من الأحيان، وأن يعني بعض العناية بصدق الرؤية الشعرية في ألفاظه ومعانيه، وأن يهتم بملكة المراقبة النفسية أكثر من اهتمامه بملكة المراقبة الحسية. . وما أقوله هنا عنه يمكن أن أقوله عن عزيز أباظة!
لحظات في دار الكتب:
لحظات لم أقضها في القراءة والإطلاع، وإنما قضيتها في زيارة رسمية للأستاذ أحمد رامي. . ولعل القراء يذكرون موقفي من الأستاذ الفاضل في عدد مضى من الرسالة، ويعجبون كيف تم هذا اللقاء بيني وبينه بعد ذلك الذي كان!
الحق أنها كانت لحظات حافلة بالعجب عامرة بالطرافة. . . ومصدر العجب فيها هو أن نلتقي وجها لوجه، ويكرم الرجل وفادتي ويهش لمقدمي على الرغم من تلك الحملة القاسية التي شننتها عليه منذ أسابيع. ومرد الطرافة فيها إلى أن رامي لم يكن يعرف شيئا عن ذلك الزائر الغريب، سوى أنه مندوب رسمي للدكتور طه حسين بك وزير المعارف. . . ومن هنا أصر على ألا أبرح مكتبه حتى أتناول فنجانا من القهوة، تحية وترحيبا ومودة!