ما فائدة التعليم إذا لم يفتح أبواب المعرفة أمام المتعلم ويغرس في نفسه حب التزود ومداومة الإطلاع.
لقد أفسدت الطريقة الآلية في التعليم، هذا الجيل، وجعلت التعليم المدرسي غاية في ذاته، فلم يتخذ - كما ينبغي - سببا إلى التثقيف الذاتي الذي يأخذ به المتعلم نفسه ويكمل نقصه، فيشعر أنه طول عمره محتاج إلى وجبات الثقافة كما هو محتاج إلى وجبات الطعام. وإنه ليعييك البحث عن المثقفين الحقيقيين بين (المتعلمين) الذين اجتازوا الامتحانات وظفروا بالشهادات، إذ لا تجد من أولئك غير أفراد بهم مناعة ضد آلية التعليم مثل المثقفين في مصر كمثل الفرق الرياضية فيها، قلة ممتازة تفصلها عن الكثرة الغالبة هوة بعيدة القرار.
لقد ضاع جزء كبير من أعمارنا في حفظ أشياء لا قيمة لها، ولقد سخروا عقولنا في مواد لم نجد لها أي أثر في حياتنا بعد التخرج، ولقد كان بغضنا لها داعيا إلى تعمد نسيانها بعد. . ويقولون أن الطالب في مصر يحصل على ورقة الطلاق من العلم بحصوله على الشهادة، ومن الإنصاف أن يقال أيضا: بعض المتعلمين يحصل على ورقة الطلاق من السخافات بفكاكه من التعليم المدرسي. .
والتعليم عندنا يفترض في كل إنسان قوة الحفظ ويفرض عليه أن يحفظ، فإن كان كذلك فحفظ ووعى ما تمتلئ به المناهج من سخافات، برز وتقدم ونال أعلى الدرجات وأكبر التقديرات، وفضل في الوظائف وأرسل في البعثات وتكون النتيجة أن يلي الأمور هؤلاء الآليون.
ولقد سافر أولئك المبعوثون وجاؤوا، لم يفيدوا شيئا، لأنهم ذهبوا بعقولهم الآلية وعادوا بها. حفظوا شيئا مما هناك لمجرد الحفظ، فلم ينتفعوا به في بحث ومقارنة وتعمق. وها نحن أولاء ما زلنا نشكو من عقم التعليم على الرغم من كثرة من أوفدنا إلى أوربا لدراسة التربية والتعليم!
أن العلة كلها تنحصر في البرزخ الكائن بين التعليم المدرسي وبين الثقافة العامة. واليوم الذي يزال فيه هذا البرزخ هو اليوم الذي يقال فيه إن التعليم يؤتي ثمراته ويؤدي إلى غايته.