اليمين وأخرى على اليسار، فلا يكلف قدميه مشقة الوقوف ولا عينيه عناء النظر، إلى تلك العيون الرانية إليه من وراء الزجاج. . عيون الأدب الخالد والفن الجميل! وإن (زبون) القهوة في مصر - وقد يكون هو أيضا من خريجي الجامعة - يمر عليه بائع الكتب وهو جالس في مكانه، فيفضل عصير الليمون على عصير الذهن، وتصفح الوجوه على تصفح الأفكار، وصحبة (الدومينو) و (الشيشة) على صحبة العقاد وتوفيق الحكيم!!
هذا هو حال القارئ في. . فهل يدهش الأستاذ الشاعر إذا قلت له إننا نعتمد في الترويج للكتاب المصري على البلاد العربية؟ أؤكد له أنها حقيقة لا تقبل الجدل، وأنني لا أحس شيئا من الحرج وأنا أعلنها سافرة بغير قناع! إن الكتاب المصري الذي يطبع منه الناشر عددا من الألوف، يخصص منه الجزء الأكبر لأسواق سورية ولبنان والعراق وغيرها من أقطار العروبة، وتخصص البقية الباقية لمصر حيث يوجد الأستاذ الفاضل وغيره من القراء المثاليين!
وأعود إلى الجانب الآخر من جوانب المشكلة لأقول للأستاذ عبد الرحيم، بالله لا تذكر طوائف المعلمين في مثل هذا المجال. . لو كان المعلم المصري يقرأ لأصبح الطالب المصري صورة أمينة لأستاذه. هل تصدق أن معلما له حظ من الشغف بالقراءة والولع بالإطلاع والوفاء للأدب، ثم لا يعكس أصداء نفسه وأضواء حسه على أفكار طلابه؟ لو عثرت على الطالب الذي يقصر زاده على ثمرات الفكر ومتاعه على نفحات العلم وصحبته على صفحات الكتب، فاعلم أن من وراءه الأستاذ الذي قبس له من فكره وأفاض عليه من علمه وفتح لقلبه وعينيه منافذ الضياء! ولكن أين هذا الطالب؟. . ابحث يا صديقي عن النتائج في ضوء المقدمات!
بعد هذا يريد الأستاذ عبد الرحيم أن يثبت أن الأزمة متعلقة بالكتب وليست متعلقة بالقراء، لأن قارئ الكتاب موجود لاشك في وجوده، وبخاصة في دور الكتب العامة حيث يجد هناك ما يكفيه مشقة البذل ومؤونة الشراء. . إن ردي عليه هو أن أسأله: كم عدد المترددين على أماكن القراءة والإطلاع وكم عدد المترددين على أماكن اللهو والمتاع؟ إن شيئا من المقارنة لكفيل بأن يضع أيدينا على هذه الحقيقة الناصعة، وهي أن عدد الوافدين إلى دور الكتب إذا ما قيس بعدد المتسكعين في الطرقات، لأسقطناه في معرض النسبة المئوية من كل حساب.