كتبت السيدة (بنت الشاطئ) في الأهرام يوم الأحد الماضي (٢٩ أكتوبر) مقالا بعنوان (عاشروا العالم أو فارقوا) قارنت فيه بين جمال البقاع في أوربا وبين الإهمال والقذارة في بلادنا. والذي يهمنا من هذا المقال ما ختمته به إذ قالت (ألا رحم الله أبا العلاء، ما أكثر ما نذكر هنا قوله منذ أكثر من ألف عام:
هذي بضاع العلم معروضة ... فعاشروا العالم أو فارقوا
تأملت هذا البيت كما أوردته الكاتبة فلم أجد له معنى. ما هي أو ما هو (بضاع العلم)؟ الذي نعرفه أن بيت أبي العلاء - وهو من اللزوميات - هكذا:
هذي طباع الناس معروفة ... فخالطوا العالم أو فارقوا
هذا هو (نص أبي العلاء) وفيه تظهر المناسبة بين طباع الناس على علاتها وبين مخالطتهم على ما هم عليه أو مفارقتهم. وهذا المعنى العلائي لا ينسجم مع مضمون المقال الذي سبقت الإشارة إليه، فلا بد إذن أن الكاتبة الفاضلة أرادت أن تطوعه بمناسبة ما عرضته، ولكنه بالصورة التي ظهر بها غير مفهوم على أي حال. قلت في نفسي: لابد أنها أرادت أن تجعل البيت هكذا:
هذي بقاع العالم معروضة ... فعاشروا العالم أو فارقوا
أي أن تلك البقاع الأوربية التي زارتها وأعجبت بها هي التي وصفت، وعلينا نحن المصريين - أن نجعل بلادنا مثلها إذا أردنا أن نكون مثل ذلك العالم الراقي، أو. . . لست أدري ماذا نفعل. .
وجاءت المطبعة فجعلت (بقاع) - (بضاع)، وجاء المصحح فوجد البيت مكسورا ولمح موضع الكسر في كلمة (العالم) فجعلها (العلم) ليستقيم الوزن، ولعله رأى خلو العبارة من المعنى ولكنه آثر أن يكون البيت موزونا ولا معنى له على أن يكون كذلك وهو مكسور، وأمر واحد أخف من اجتماع أمرين.
وعلى ذلك ظهر البيت كما ظهر، وإذا لم يكن هذا الافتراض صحيحا فماذا عسى أن يكون؟!
ثم ذكرت يوما حضرت فيه مناقشة رسالة قدمتها الكاتبة الأديبة لنيل درجة الدكتوراه،