للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان عز الدين يخفي حقيقة نفسه، كان الصراع مخيفا في أغوار نفسه، وعندما تغيرت الأوضاع، فارتفع الوضيع، وانخفض الرفيع، بدأت حقيقته تظهر وبدأ التعارض بين نفسه، ونفس شجرة الدر. وعندما وصل الصراع إلى القمة لجأت تلك النفس الخيرة إلى الشر لتزيل الشر. وبتجسيم هذه الخطوط النفسية الدقيقة استطاع المؤلف أن يوصل المأساة إلى نفس المشاهد.

وكان المؤلف موفقا في تصوير شخصية شجرة الدر، فقد بدأ بها ملكة وانتهى بها إلى امرأة ككل النساء، تحب وتغار، وتحزن. ولعل ما أظهره المؤلف فيها من ضعف بشري، حتى عندما سمعت صراخ زوجها فترددت وحاولت إنقاذه، هو الذي ساعد على بعث الحياة في هذه الشخصية، لأنها استمدت حياتها من المشاعر الإنسانية.

والذي نلاحظه أن المؤلف تمسك بإظهار أعلام التاريخ في تلك الفترة كأقطاي وقطز وقلاوون وبيبرس. وقد أدى تعدد الشخصيات إلى عدم التركيز في تصويرها، فبدت في المسرحية شخصيات مكررة لتشابهها في موقفها من الأحداث وتأثيرها عليها. . فأقطاي وقطز في صف عز الدين أيبك، ولم تظهر حقيقة ذلك إلا في نهاية المسرحية، لهذا، كان على المؤلف أن يكتفي بأحدهما، ويبرز بوضوح معالم شخصيته، ويشركه في الصراع إلى جانب عز الدين من أول المسرحية. وكذلك بيبرس وقلاوون فهما في جانب شجرة الدر، وتأثيرهما على الأحداث واحد، فكان من الخير أن يقتصر المؤلف على أحدهما حتى لا يؤدي تعدد هذه الشخصيات إلى تشتيت انتباه المشاهد. وكذلك في تصويره للمصريين، كان من الواجب عليه أن يقتصر على شخصية قاض القضاة وهي الشخصية الأولى بين المصريين. ومن الإنصاف أن نقرر أن شخصية قاضي القضاة قد رسمت في دقة وعناية، وأن المؤلف قد شحنها بالوطنية المصرية، فكانت معبرة عن الآمال والآلام المصرية، وكانت من أهم العوامل في ربط التاريخ بواقعنا الاجتماعي. وكان تأثيرها قويا في إحداث التجاوب بين الممثل والمشاهد.

ومن حيث التصوير العقلي للشخصيات، كان المؤلف موفقا في تصوير عقلية شجرة الدر، وعقلية عز الدين أيبك. إلا أنه قد أنطق بعض الخدم كسنجر وسلافة بالحكمة والفلسفة في بعض المواقف، وبهذا جاوزت هذه الشخصيات حقيقتها الإنسانية. كذلك وزع المؤلف آراءه

<<  <  ج:
ص:  >  >>