الحياة. ولتنفذ مشيئة الله. وما غاية الحياة؟ هي أن نعمل ونجيد ما نعمله. وليكن عملنا في سبيل الغير، ولنضح بأنفسنا في سبيلهم، ولنحبهم كما نحب أنفسنا بل أكثر مما نحبها. ولنتعاون معهم، ولننم جميع قوانا من عقلية وجسمية، ولنحسن استخدامها في خدمة الآخرين: التعاون، الحب، العمل، ثالوث مقدس هو سر الحياة وسر السعادة. ليمتد حبنا إلى جميع أفراد الإنسانية. ولنعمل لإخواننا في البشرية، ولننس أنفسنا فنكون بذلك قد أدينا مهمة الحياة التي خلقنا من أجلها وفي هذا طمأنينة لنا وهدوء.
لقد أسأنا فهم الحياة. وحسبناها مسرحا لقتال دام يفترس فيه القوي الضعيف، ويلتهم فيه الكبير الصغير. ثم اتهمناها بالقسوة وما هي بقاسية بل هي أعز شيء في الوجود.
وبحسبنا السعادة في هذا النضال السمج، وبحسبنا الراحة في هذا القتال العنيف.
بالغنا في الأنانية، أردنا الحياة لنا وحدنا، أردنا مالا وجاها وحبا وبنين لأنفسنا ولأنفسنا وحدها.
والحياة لا تريد منا هذا، فالفرد ذرة لا معنى له في الوجود دون غيره. ذرة من أصغر ذرات العالم، فإذا ما اجتمعت هذه الذرات واتحدت وتعاونت استطاعت أن تصل إلى أقصى سعادتها وهي مستطيعة أن تنال جميع أمانيها، فإذا ما اختلفت وتناحرت وتفرقت أصبحت لا شيء. وهي واقعة في شقاء لا خلاص منه.
لقد ظننا بالحياة شراً، وقد حاولنا أن نجعل من قانون سخيف ندعوه تنازع الحياة وبقاء الأصلح قانونا للحياة. فالأفراد في تنافس، والأمم في تناحر، ومن هذا النزاع الدائم يتولد البؤس واليتم والفقر والآلام، وتتولد الإنسانية عاجزة خادعة ماكرة ضعيفة.
لننس هذه الأحقاد مرة واحدة، ولنتعاون، ولينس الفرد أنه خلق لنفسه، وليجعل غايته خدمة غيره. خدمة أولاده، خدمة أفراد الإنسانية جمعاء، إذن يخف كل شقاء. وتعم السعادة الجميع. سنقول هذا خيال شاعر وأمل فيلسوف.
ولكن تولستوي لا يقول لك ضح بنفسك لأن في التضحية نبلا أو جمالا. وهو لا يقول لك كن خيّرا لأن الجنة للخير والنار للشرير. وهو لا يزعم أن في خدمة الآخرين قياما بواجب لا تستطيع أن تفهم من فرضه عليك. هو يقول لك أحب جارك واعمل لغيرك، لأن هذا هو قانون الحياة، ولأنك لا تملك عنه محيداً، وهو يقول ضح بنفسك لأنك ستضحي بها مرغما