إذا أبيت. هو يقول لك سامح عدوك وأدر له خدك الأيسر إذا أصاب منك خدك الأيمن لأن في الخلاف شقاء لك وله.
وليس في هذا جري وراء خيال أو مثل أعلى يضاف إلى غيره من الأمثلة العليا. ولكن جرب بنفسك. اقتنع بأنك خلقت لغيرك وسترى أي سعادة ستجلبها عليك هذه التجربة، لن يخيفك الموت بعد هذا لأنك سترى فيه إفساحاً للطريق أمام غيرك. لن تعبأ بالآلام تصيبك لأنك سترى فيها تخفيفا لآلام اخوتك من البشر.
أما إذا أبيت هذا، وضننت بنفسك أن تكون ضحية في سبيل الآخرين، فكن أنانيا جشعا وابلغ المجد على أكتاف الناس، واجمع حولك من متاع الدنيا ما تسرقه وما لا تسرقه، ولكنك لن تكون سعيدا. وستظل شقيا بائساً، ولن تشعر براحة ما دام لديك ذرة من ضمير. وستمعن الحياة في السخرية منك، تجعلك آلة لها تنفذ مشيئتها، وستكون ضحية على رغم أنفك، وستعيش خائفا وجلا من الموت أو من خصم قوي، وسيؤنبك ضميرك، ولا يلبث أن يضيع ما أنفقت حياتك من أجله، سيلتهم مالك وجاهك من هو أقوى منك، أو لا تلبث أن تموت، فيتمتع به غيرك، وبذا تكون الحياة قد انتقمت منك شر انتقام.
وليس معنى خدمتك للغير أو تضحيتك بالنفس أن تنسى ذاتك أو تعتبرها كمالاً مهملًا في الوجود. إذ هي شرط من شروط الحياة وشرط هام لا تستطيع الإنسانية أن تتحقق بدونه، ولكنها ليست غاية الحياة، وليس من أجلك وحدك قد كانت الحياة.
وليس معنى هذا أن تكبت غرائزك أو تحمل نفسك ما لا تطيق. بل وجِّه نشاطك إلى ما خلق له. .
في مثل هذه اللغة البسيطة الساذجة القوية يحدثك تولستوي. ولا يضير فلسفة تولستوي أن تبدو شعرية عاطفية إذ هي لا تكاد تخرج عما قالته الأديان. فالمسيحية ومن قبلها اليهودية ومن بعدها الإسلام تبشر بما قاله تولستوي. وكلها حضت على التعاون وقالت أن المؤمنين اخوة وأحب لغيرك ما تحب لنفسك. وكلها رفعت من شأن العمل للآخرين وكلها حضت على الإيثار وكلها أمرت بالتقرب إلى الله وحده وجعلت منه رمزا للوحدة.
لم يأت بجديد. ولكنه أحب أن يثبت أن ما قالته الأديان صحيحا، وأنه عملي، وأنه الطريق الأوحد إلى السعادة الفردية والإنسانية، وأحب فوق هذا أن يبين أن ما قالته الأديان ليس