مثلا أعلى يصعب تحقيقه، بل هو الغاية التي لا محيد عنها، والشيء الذي نعمله كارهين أو راضين.
لقد رأى أن الحياة لا معنى لها في الأفراد مشتتين. بل لا يمكن تصورها إلا في الأفراد مجتمعين متعاونين. وقد رأى أن للحياة غرضا بسيطا هو أن يلتئم الأفراد ويتحدوا، هو أن تجتمع الذرات الإنسانية لتصبح ذرة واحدة كبيرة ترجع إلى خالقها. وفي هذا الاتحاد كل سعادتها.
ولم ير الحياة الدنيا إعداداً لحياة أخرى كما ترى معظم الأديان بل وجد فيها سلسلة لا تنقطع. فليس في موت الأفراد انتهاء للحياة. بل موتهم معناه بقاؤهم في نسلهم، ومعناه حلقة جديدة قد تكون أحسن استعدادا وأكثر تضامنا.
وهو متفائل راض مطمئن على مصير الإنسانية، فهي تسير إلى الوحدة منفذة في ذلك مشيئة خالقها.
وهو يرى أن كل ما فينا أعد لتنفيذ غاية الحياة. ففينا حب الحياة لنستطيع أن نحيا، وفينا حب النشاط والحركة وكره السكون حتى نعمل، وفينا الجانب الحيواني بكل غرائزه لنستطيع أن نعمل، وفينا العقل لنفهم كيف نعمل والى أي غاية نسير، وفينا الضمير ليؤنبنا وليحاربنا إذا ما حاولنا الحياد عن الغاية المرسومة لنا. وفينا غريزة النسل لتخرج ذرية أقوى تستطيع أن تتمم ما تريده الحياة إذا ما ضعفنا أو متنا.
يعد تولستوي الشقاء الذي نشعر به نتيجة طبيعية لمخالفتنا ضمائرنا التي تفهم وحدها الغرض الوحيد من الحياة. وتنبهنا كلما حدنا عن الطريق المستقيم، وهذا الشقاء داع إلى تفكيرنا في أنفسنا. والى شعورنا بالحياة وغرضها.
ويعلل تولستوي الحيرة والقلق اللذين يستوليان على المرء بأنهما نتيجة لإهماله واجبه المقدس في الحياة، وإغفاله العمل، أو لمقته الآخرين وترك معونتهم. وهذه الحيرة نفسها خطوة أولية نحو الشعور بالحياة والتأمل فيها والوصول إلى فهمها.
وهو يرى في العقيدة والإيمان ملجأ حصينا من الشك والتورط فيه. إذ العقيدة النيرة الحية البعيدة عن التعصب، هي التي تدفعك إلى العمل وحب الغير وتجعلك طفلا فرحا سعيدا وهي التي تجعلك هادئا قرير العين بالحياة.