ما يرمي إليه مع ما فيها من الموسيقى اللفظية التي تلائم المعنى. وجميل من الشاعر أن يتحدث في آخر بيت من القصيدة عن معجزات الأنبياء وأنها فنيت وليس لها أثر الآن، ولكن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي لا تزال بل ستظل باقية إلى أن يشاء الله.
وشاعرنا مصري تتمثل فيه خصائص البيئة المصرية، وتتجلى شخصيته الفنية في مقطوعاته الفكاهية، ومداعباته لإخوانه، أو حديثه عما يحيط حوله من ألوان الحياة، والمصري كما قال بعض النقاد - يميل إلى الفكاهة ويتذوقها، ويقهقه لسماعها، والأدب المصري منذ أقدم العصور مليء بالفكاهات الشعرية وغير الشعرية، حتى لتعد الفكاهة ضرورة من ضرورات الحياة المصرية، والشاعر حسن طنطاوي سليم ضرب بسهم وافر في هذه الناحية حتى لتكاد تذهب إلى أن شعره كله في الفكاهة بل في المجون، ومتى كانت الفكاهة المصرية خالية من المجون؟ - استمع إليه وهو يداعب معالي عبد الحميد عبد الحق باشا وزير التموين سابقا إبان أزمة السكر، وكان الشاعر أصيب بمرض البول السكري.
قل لعبد الحق إن لاقيته ... لا تخف نقصا يصيب السكرا
إن عندي منه قدرا هائلا ... يغرق الأمصار طرا والقرى
أشرب الماء نقيا صافيا ... فإذا السكر فيه قد سرى
أبيض اللون فإن حللته ... صار في الأنبوب شيئا أحمرا
مالكم ترجون (عبودا) وفي ... مصر من سكره يكفي الورى
أو استمع إليه وهو يصف (السويس) إبان الحرب وقد تزاحم فيها الناس، واشتد بها الغلاء، وتساقطت عليها القنابل، كل ذلك في صورة متلاحقة سريعة يتلو بعضها بعضا كأننا نشاهد عرضا سينمائيا.
خرجت من السويس وفي فؤادي ... قروح ما لها قط التئام
لأن بها غلاء لا يدانى ... حلا في جنه الموت الزؤام
وأزمة مسكن دون انفراج ... فليس بها لمغترب مقام
زحام ما رأيت له مثيلا ... تعالى أن يقال له زحام
كأن الناس (سردين) فبعض ... على بعض - وإن كرهوا - ينام