فالدرامة إذن كل نوع، وترتضى كل شكل، مادامت تضمن التأثير في المشاعر والخواطر والقلوب، وهي تسلك لهذه الغاية اسهل الطرق واقرب السبل. فلها في الطفولة المعذبة، والشيخوخة العاجزة، والزمانة المعدمة، والكرم في الأملاق والقحط واليأس، مواقف قوية التأثير شديدة الروعة؛ وفي المستشفيات والسجون والأحياء الفقيرة العاملة مسارح للرعب والرحمة، لها من البيان والتأثير ما يغنى المؤلف الذي يعرضها للأنظار والأفكار عن تكلف الأداء وتجشم البلاغة
إن المصائب المنزلية، والحوادث الاجتماعية، لا تدهشنا حقيقة كما تدهشنا مصائب الملوك ومخاطر الأبطال وحوادث القصور، ولكنها تؤثر فينا كل التأثير لاتصالها بنا واقترابها منا؛ وإذا كان افضل الأنواع أمتعها للجمهور، واشدها أثراً في الكثرة، فان الدرامة تفوق المأساة بهذه المزية، وتفضل الأنواع جميعاً بقوة الجاذبية، وإذن يكون كورني وراسين وفولتير قد جهلوا فن التأثير، وسهروا الليالي الطوال في البحث عنه في الطبقات العليا، والحوادث الكبرى، وهو منهم على طرف الثمام لو نظروا في الطبقة الدنيا وفكروا في الحياة العامة، ولو كان هؤلاء حقيقة قد جهلوا قوة الدرامة وسهولتها فما بال الإغريق واللاتين لم يتوسلوا بهذه الوسائل القريبة إلى التأثير والجاذبية؟ وما بال شكسبير وهو أمام الروائيين غير مدافع لم يختر موضوعاته من حياة الشعب، وفضل جرائم الملوك ونكباتهم على جرائم السوقة ونكبات العامة؟ الحق إن الإغريق كانوا يعلمون علم اليقين إن في الناس من كبابه الجد فألقاه في مراغة الذل والبؤس فأعسر بعد اليسر، وهان بعد العز، ولكنهم كانوا يجهلون أو ينسون أن الملوك هم أيضاً غرض لسهام القدر، وأن المرء مهما عظم قدره لا يعظم على النوائب ولا يكبر على الإحداث، وأن خطوب الدهر لا تخص بفتكها طبقة، دون طبقة فاستفادوا من المسرح هذا الدرس النافع والعظة البالغة، كذلك كانوا يعلمون أن في الناس المأفون والشهوان والخبيث والمجرم، ولكنهم كانوا يجهلون أن الملوك أيضاً فيهم الأفن والشهوة والخبث والأجرام، وان نتائجها فيهم افظع وافجع منها في السوقة، فاستنتجوا من المسرح أن الشعب مأخوذ بجرائر الملوك، فأخذوهم بالحزم وحسن السياسة، بله ما كان عليه الناس في الأزمان الخالية من تنزيه الملكية، وتقديس البطولة، وازدراء الشعب. فلما