بالقدرة على سد الحاجة، فأخذت تقرض بالربا الفاحش وتختص بقروضها ما تشاء من الحكومات، وتحتكر الأسواق المالية.
ولما فرض التعويض الحربي على فرنسا وتحتم نقله عبر أوربا، لم تجرؤ إلا شركة روتشيلد فتعهدت بالمهمة وقامت بها خير قيام. وربحت من جراء ذلك بنسبة واحد ونصف في المائة من عشرين مليوناً من الجنيهات أو أكثر، علاوة على ما ظفرت به من شكر حار وجهه إليها وزير إنجلترا، لقاء خدماتها التي تنوء بالاضطلاع بها على جميع الشركات وإن كان بعضهم لبعض ظهيرا.
وهذه حكومة النمسا تئن تحت ديونها الفادحة للمصارف النمساوية. فتعهدت عصابة روتشيلد بنقل نصيبها في التعويض الحربي، بل أقرضت النمسا الأموال التي كانت في حاجة إليها. مما حدا بإمبراطور النمسا إلى أن يخلع على العصابة ألقاب الشرف، وسمح لها بتأسيس فرع لها في فينا، قام على شؤونه (سليمان روتشيلد).
وامتدت أيدي الأشراف في النمسا وبروسيا والروسيا إلى الاستدانة، مما أنعش حركة القروض في فرعي فينا وفرانكفورت على نحو ظاهر.
وقامت في نابلي ثورة أهلية فبعث (مترنخ) حملة لإخمادها، وفرض على الثوار غرامة مالية باهظة، فطلب من (شارل روتشيلد) أن يدبر المال للمغلوبين على أمرهم مع مراعاة مصلحة النمسا في هذا الإقليم. ولكن شارل سليل روتشيلد - تلك العصابة اليهودية التي تحددت أهدافها - كان وفيا للتعليمات، حريصاً على المبدأ، ولو على حساب (مترنخ) بل النمسا التي زرعته برفق فاقتلعها بقوة.
اندس شارل في أوساط نابلي كما تندس الأفعى في أحضان عش دفيء، وسعى سعياً حثيثاً في مقاومة الاحتلال النمساوي. وفتح خزائنه للمقترضين عسى أن يعتدل الميزان الاقتصادي، ولكنه على العكس انقلب رأساً على عقب، وزادت الحالة سوءا، وجاء شارل فأعماها، من حيث أرادت أن تكتمل بماله عيناها، ولم تنل من الأصفر الرنان، غير الرنين الطنان، وعجز الحاكمون عن إصلاح ما أفسد الدهر وشارل، ولكنه توارى بالحجاب، وداعب العيون ببريق الذهب، فتهافتوا عليه تهافت الفراش على النور، فاصطلوا بالنار.
هكذا كان شارل؛ فقد سنحت له الفرصة (الذهبية) واغتنم احتياج النمسا إلى المال فأرغمها