وذي الحاجة. . . العلم الأرضي الذي يقاس بالقرش والجنيه ويقوم بالدرهم والدينار لا تسطع فيه روحانية السماء ولا سمو الروح.
وهو - في رأي السماء - روح الجنة التي تكشف البلاء، ويد الله التي تزيح الشقاء، وبلسم النفس التي تجد الغماء.
فيا لشقاء أهل الأرض من طبيب يتعلم العلم الأرضي الذي تلتصق دواعيه - أبداً - بالتراب.
وربط المريض حبله بحبل الطبيب، وتراخى الطبيب وأهمل، والمرض يستشري ويتشبث، ومضت سنة كاملة، استحال - من بعدها - الداء الذي كان قريب البرء إلى علة ما لها من دواء. . . إلى السل. وأحس الرجل بالسل يخترم قوته على حين قد نضب معينه وصفرت يده.
وانسابت الحسرة في قلب الرجل فهو لا يجد المال الذي يدفع به المرض، ولا يجد الصحة التي يكسب بها المال. وهو يضن بصغاره الأحياء أن يصيبهم المرض الخبيث الذي تغلغل في رئته، ويشفق عليهم أن ينالهم عنت الفقر، فراح ينظر إليهم - من بعد - في رقة لا تجد متنفساً.
وجلس الرجل - ذات ليلة - إلى زوجته يحدثها حديث الداء العضال الذي كتم عنها خبره منذ أن أصابه، فإنخرطت في بكاء مر. . . بكاء المرأة تحس مرارة الفاقة ولذع العوز وفقد العائل. وترامى إلى الحكومة خبر المرض الذي يفري الرجل فقذفت به إلى الشارع.
وانطلق الرجل في شدة الهم ولأواء الألم. . . انطلق إلى الطبيب يكشف له عن ضنا نفسه وشجو قلبه فأشاح عنه بوجهه وهو يقول في غير اكتراث (الآن لا معدي لك عن أن تذهب إلى مصحة حلوان).
لا عجب فقد طرحه الطبيب بعد أن استنزف ماله وامتص وفره، طرحه لأنه نزل عن إنسانيته ورجولته لقاء دريهمات.
وألقى الرجل السلم عن يد خيفة أن تنتقل العدوى إلى أحبائه: زوجته وأولاده.
ودخل الرجل المصحة حطاماً يئن من عوز ومن ضعف. ووضع طبيب المصحة يده ثم رفعها وقد اربد وجهه وتقطب جبينه وتيقظت إنسانيته، فجلس إلى المريض الواهي يسأله