يقابلني أحد الزملاء فيسألني عن صديق يعرف ما كان بيني وبينه من الود الأكيد فلا يجدني ملما بأنبائه وأخباره، وكأننا لم نتقابل قبل الآن، أو لطول اجتماع لم نبت ليلة معا - كما قال متمم - وإن أوجه الكلام لتضيق في وجهي حين أهم بإجابة هذا السائل، فماذا عسى أن أقول له؟ أخبره أني راسلته متسائلا عن أنبائه فلم أظفر برد؟ أم أظهر أمامه عاقاً غليظاً فأعلمه إني لم أتصل به منذ فارقته؟ أم أبسط إليه ما يغمر مجتمعنا الخلقي من تقصير وإهمال؟ ترى ماذا يكون؟ وأنت تبحث عن سبيل العذر في تقصير المقصرين فلا تجده بحال، بل إني أعلن للقراء أن هؤلاء لا يتمتعون بضمير حي متيقظ، وأن من لا يرد التحية بأحسن منها جدير أن ينسلخ من ثياب الإنسانية. ولن نرسل الكلام على إطلاقه، فنحن نعلم أن من الرجال من تتزاحم أمامهم الرسائل، وتتكدس فوق مكاتبهم الخطابات، فلا يجدون في فراغهم الضيق ما يكفي للإجابة والتعليق، وهؤلاء في العادة لا يقصرون في حقوق من اتصلوا بهم اتصالا شخصياً، وعرفوهم معرفة وثيقة، وإنما يفرطون في جانب من يشغل فراغه بمراسلة العظماء والموهوبين في غير طائل، وهم معذورون في هذا التفريط إذ عدمت الرابطة الشخصية، وضاق الوقت عن الإجابة المحيطة، فلا تؤاخذهم في ذلك، وإنما تؤاخذ من يقصر في حقك، وقد خالطته بنفسك، وأفضى إليك - يوما ما - برغباته وخلجاته ثم فرق بينكما الزمن، فنسى أمسه، وفرغ ليومه، وتجاهل حقوق المودة! ذلك عيب شنيع.
ونحن نتكلم هنا عن الرسائل الصادقة الخالصة لوجه المودة والوفاء فلا نتحدث عن الرسائل النفعية، التي يقصد بها أصحابها قضاء أرب مادي، أو استغلال نفوذ شخصي، فالسكوت عنها - في بعض الحالات - يجد مبرراته وظروفه، وإن كان الأجدر بصاحب الخلق الرفيع أن يسعى حسب طاقته في نفع أصدقائه، ما لم يؤد به مسعاه إلى ضرر إنسان ما، فإذا لم تسعفه النتيجة المرتقبة، أعلن أمره إلى صاحبه في رسالة صادقة. ورب خطاب رقيق أراح الضمير وأثلج الصدر، وإن لم يعد بالثمرة المشتهاة.
إن من المؤلم حقا أن تنقطع الروابط بين الناس لمجرد ابتعادهم من مكان إلى مكان. ويزيد في الألم أن تكون وسائل الاتصال في متناول اليد دون أن تجد من يحرص عليها، والمرء في خضم الحياة هدف للمشاكل المعقدة، والمعضلات المؤرقة، فهو في حاجة ماسة إلى