للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبدت عليه شيخوخة مبكرة، وصار يشكو آلام معدته، فهو يطلب الطبيب، ولكنه يأبى أن يخضع لأوامره، ويعاند حتى معدته، فيدخل عليها - وهو يعاني عسر الهضم - عشر صحاف من الفستق. وتظهر الأهوازية بجانب الحجاج، تعنى به وتسهر على راحته. يعبر الحجاج عن قلقه لبطئ (قتيبة) في حرب بخارى، ثم يقبل رسول قتيبة فيبشره بفتح بخارى، فيفرح لذلك أشد الفرح، ويعد الرسول بأن يزف إليه عروسا جميلة عندما يزف إليه نبأ دخول المسلمين أرض الصين.

وفي المنظر الثامن، وهو الأخير، نرى الحجاج ملففا بالملاحف، وعلى جانبيه مدفأتان، يغالب آلامه ويتمادى في مخالفة الطبيب ومعاندة معدته، فيأكل ويفرط في الطعام، والأهوازية لا تزال في خدمته والعناية به. وكانت عيون الحجاج تجد في البحث عن الفقيه الصالح سعيد بن جبير لخروجه عليه مع ابن الأشعث. وهذا يزيد ابن أبي مسلم كاتب الحجاج الذي يباريه في سطوته وبطشه، ينهى إلى الحجاج أنهم جاءوا بسعيد بن جبير، ويدخل سعيد على الحجاج، ويأبى أن يعتذر بخطأ، ويوغر يزيد صدر الحجاج على شبيب حتى يأمر بقتله، ولكنه يندم على ذلك بعد ويناجي نفسه بفظاعة هذا العمل، ذاهبا إلى إلقاء التبعة على كاتبه يزيد، ويعود إلى الطعام مصراً على المزيد، ولكنه يضعف فيلجأ إلى متكئه. ويأتي رسول قتيبة قائلا: جنود المسلمين على أبواب الصين، فيستدنيه الحجاج ويعانقه، وتبدو في أساريره نشوة الفرح رغم آلامه الشديدة. ثم تعاوده ذكرى الدماء، فيقول في مناجاته: مالي ولسعيد بن جبير؟ ما قتلته. على نفسه جنى. . رحمتاه يا ربي! وأخيرا يتمدد فاقد الحركة، فقد فاضت نفسه.

مسرحية طويلة يستغرق تمثيلها نحو أربع ساعات، ولكنها متجددة التشويق، تشيع فيها روح الدعابة والفكاهة، وتعبيراتها مجنحة بالخواطر والالتفاتات المعجبة. والهدف الذي ترمي إليه هو تحليل شخصية الحجاج كما يراها المؤلف، بل كما أحسها وفهمها من طول معاشرتها في تاريخها، وهو يتخذ هذا التاريخ وسيلة إلى غايته الفنية؛ فالتاريخ موجود في كتبه، ميسور لمن أراده، أما الفن فمجاله النفس الإنسانية، يطلبها في الحياة الحاضرة أو في (الحياة التاريخية) إن صح هذا التعبير.

قصد تيمور إلى الحجاج ذاته، ولم يعرض من تاريخه وأعماله إلا ما يعين على كشف

<<  <  ج:
ص:  >  >>