أغوار نفسه؛ ولذلك نجد المسرحية تعنى بحياته الخاصة أكثر مما تهتم بالأحداث التاريخية. الذي يهمنا من هذه المسرحية هو الحجاج باعتباره كائنا إنسانيا له خصائص متميزة كان يعيش في زمن ما.
الحجاج - كما صوره تيمور أو كما يبدو لنا من هذا التصوير - رجل طامح يتطلع إلى المجد، ويحس في أعماق نفسه بنقائص يحاول تعويضها، كان معلم صبيان بالطائف ثم جاء إلى دمشق ووضع قدمه على أول درج في السلم عندما لحق بشرطة الخليفة، فأراد أن يصعد عدوا، واستحكمت به الرغبة، فعنف وبطش وأسرف في عنفه وبطشه، بل أسرف في كل شيء حتى الطعام، وكان يحرص على فخر المصاهرة ليتسامى إلى ذوي الأحساب والأنساب. وهو رجل قوي الشكيمة يأبى الخضوع حتى أنه ليعصي أوامر الطبيب ويأبى تحكمه في ما يأكل ويشرب، ويعاند معدته فيحاول أن يرغمها على تقبل الطعام وهضمه مهما كثر وثقل. وهو أسود أخفش دميم، فتراه معنيا بزيه، يتخذ لغطاء رأسه الطراطير الطويلة يلف عليها العمائم الخضر أو الحمر ليتميز على نظرائه، وهو يميل إلى أن تعشقه النساء، يتجاذبه حبهن وحب المجد، وقد أتى المؤلف بالفتاة الأهوازية من إبداع خياله وجعلها محكا للحجاج ومسباراً لقلبه، فأجرى على لسانها ما يكشف عن نوازعه وأسرار نفسه، تجاهره بذلك في جرأة لا يضيق بها على رغم أنها تصل أحياناً إلى القحة، وبذلك يكشف لنا عن مرض نفسي لدى الحجاج هو (السادية) فهذا الجبار الباطش يلذ له أن تؤذيه هذه الفتاة المغامرة وهي أيضاً تشعر بلذة قسوته بل هي الناحية التي تعجبها فيه، وتجمل الفتاة رأيها في الحجاج بأنه (يد تبطش ومعدة تعوي).
وتيمور لا يرى الحجاج - على ما يبدو لي - رجلا شريراً، أو على الأقل يصدر في أعماله عن محبة للشر - لا يراه كذلك، وإنما يرجع دوافعه إلى البطش والطغيان، إلى ما يراه في جمع كلمة المسلمين وتدعيم الدولة، فهو يبتهج كل الابتهاج بانتصار المسلمين وتمام الفتح واتساع رقعة البلاد، يشم التراب الذي أتى به رسول قتيبة من تحت سنابك خيل المسلمين - يشمه فينتشي به وهو يحتضر. . ثم هو يتألم أشد الألم لقتل ابن جبير ويؤرقه تخيل دمه المسفوك.
وقد بلغت هذه المسرحية غايتها من حيث معالجة الحجاج وجلاء (ابن جلا وطلاع الثنايا)،