ومن الصواب أن شعر الانتقام والوعيد يذكي جذوة النفس، ويحفز إلى الأخذ بالثأر ويرهب الخصم العنيد، ولعل من أسباب انصراف العرب عن الملاحم الطويلة أنهم بحاجة إلى نوع من الشعر سهل الترديد، قصير مستقل بذاته، سهل حفظه، يردد قبيل الحرب أو بين الجموع المتشابكة - وقد جاشت الأرواح - ليقوي النفس على الثبات ويهبها الإقدام والحرص على مواقف البطولة - وجل ما ورد في ديوان الحماسة من شعر الحرب قصير موجز مع احتمال أن أبا تمام قصر منه بانتخابه الغزير التوفيق.
ومن شعر الحماسة نرى أن قسما من العرب يرى أن من سمات الشجاعة والسطوة أن يكون الإنسان سريع الاستجابة لدواعي الشر، متحككا بة، إمعة مع كل شرير، لأن ذلك من مظاهر القوة والبسالة.
قال الشاعر: -
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمو ... لأية حرب أم بأي مكان
وقال غيره: -
لا يسألون أخاهم حيث يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
وقال غيره: -
وأحيانا على بكر أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا
وقال غيره: -
وإني لا أزال أخا حروب ... إذا لم أجن كنت مجن جاني
غفر الله (لسواء بن المضرب) وكان في عون من عاصره وعايشه
هذه غاية حب الخصام والفتن أن يكون حريصا على أن يستمر حبل الشر فإذا لم يجن حمى الجناة وصار لهم وقاء استدامة لشرهم وظلمهم، وإذا أسعده الحظ فجنى على الناس فتلك الأمنية.
ومن العيب على أفراد العشيرة:(ألا يظلموا الناس حبة خردل) أو أن يطلبوا من المستصرخ دليلاً على دعواه ومظلمته قبل أن يبدءوا المعركة.
والمستقرئ لشعر الحماسة في أدب العرب يجد منه ما يمثل عاطفتين متضادتين: عاطفة الرأفة بالأقارب ورعايتهم، وعاطفة القسوة عليهم، والمثل لكلتا العاطفتين عديدة.