مشاهد فنية هي في الأغلب الأعم ملء النظر وملء الحس وملء الفكر، لأنه إذ يقول هذا الشعر إنما يستجيب لحركة نفسه، ويترحم عن خوالج وجدانه، ويغمس ريشته بنور قلبه.
وأخيرا أنا أعاود الكلام يا سيدي لأوكد لكم مخلصا أنه لا هوى يقود رأي حامل هذا القلم إلا هوى الفن الذي يتوخى في آثار الفنانين لمحات الأصالة الذهنية، ودلالات الصدق الشعوري وبعد. . فأختم هذه الكلمة محييا فبكم شخص الأديب والناقد، شاطرا للظروف هذه الفرصة الكريمة التي أتاحت لي لقاءكم في هذا الجو الحبيب الذي تتراوح فيه أنسام الشعر الجميل وأنغام الوداد الخالص وإلى لقاء قريب إن شاء الله، في محراب قصتكم الخالدة (من الأعماق). . . والسلام عليكم من المخلص
(دمشق - سورية)
محمد الأرناؤوط
أتعرف ملكة (المزاج الفني)؟. . إذا استطعت أن تتخيل القصيدة الشعرية بأدائها النفسي جسما من الأجسام، وإذا استطعت أن تفترض كل ملكة من الملكات الشعرية عضوا عاملا في حركة هذا الجسم، وإذا استطعت أن تتمثل الحيز الذي يشغله هذا الجسم من الوجدان المتذوق مكونا من تلك المجموعة من الأعضاء؛ إذا استطعت أن تتخيل وأن تفترض وأن تتمثل هذا كله، فإن ملكة (المزاج الفني) هي الثوب الذي يلتف حول هذا الجسم بمجموعة أعضائه ليبرز تقاطعيه للعيون ويكشف عن مفاتنه! إنه أشبه بالثوب الذي ترتديه أي حسناء. قد يكون جسمها نموذجا خاصا لجمال كل عضو من أعضاءه على حدة، وقد يكون جسمها نموذجا عاما لتناسق تلك الأعضاء مجتمعة، ولكن الثوب هو الحكم الأخير الفاصل بين أجساد الحسان، لأنه هو وحده الذي يطلعنا على مدى التفاوت الجمالي بين جسد وجسد! هناك ثوب يوحي إليك أن صانعه غير (فنان)، لأنه لم يراع النسب الفنية بينه وبين جسم صاحبته: من ناحية الطول والقصر، ومن ناحية الضيق والسعة، ومن ناحية الكماليات التي تلتمس مظاهر الزينة وتوائم بين لون الثوب ولون البشرة، مثل هذا الثوب لا شك أنه يظلم الجسد الجميل لأنه يقدمه للعيون على غير حقيقته؛ على تلك الحقيقة الأخرى التي اقتضاها ذوق صانع غير فنان. ماذا ينقص هذا الصانع من (ملكات الفن) ليصنع (ملكات الجمال)؟