لعينيه، وأن تبدو الصور البعيدة عن هذه العدسة مغلقة بطبقات من الضباب، تحول بين صاحب المنظار وبين الرؤية الصادقة في بعض الأحيان! أريد أن أقول إن الأستاذ مجذوب حين أعجب بهذا الشعر الذي يفضله، كان أشبه بالمصور الفوتوغرافي الذي سلط أضواء المغنيسيوم على مشهد واحد ووجه مقدمة الكاميرا إلى زاوية واحدة، فظهرت المشاهد الأخرى وهي باهتة الظلال حائلة الألوان. . أقصد أنه لو عنى بتوزيع الضوء على المشاهد المختلفة عند الشعراء الأربعة، لوقعت عنياه على كثير من الإشعاعات اللفظية المتوهجة في أفق آخر غير أفق ميشال معلوف، هذا الشاعر الذي لم يسمح الناقد لعينيه أن تتحولا عن أفقه لتحلق في غيره من الآفاق. . . إن الذي يعجب بلون الورد يا سيد مجذوب، لا يحق له أن يغفل عن لون الفل والبنفسج وزهور القرنفل واللبنسيه!
بعد هذا أحب أن أقول لهذا الناقد الذي يهزني منه خفة الظل وعذوبة الروح، إنني لا أتهم ذوقك حين تقف إلى جانب ميشال لأنه خيال محلق وجناح رفاف، ولكنني أتهم هذا الذوق حين يفطن إلى مواطن الجمال عند هذا الشاعر ثم لا يفطن إلى أمثالها عند غيره من الشعراء. . . إن الذي آخذه عليك هو أنك شغلت في رحابه عن أن تلتفت إلى سواء، وسرت في ركابه حتى أهملت من عداه! وهذا هو العيب الذي وقع فيه كل من اشترك في المباراة النقدية من النقاد، هؤلاء الذين رفع نصفهم شعر شاهين إلى قمة المجد وهبط بشعر الباقين إلى الحضيض، وأقدم نصفهم الأخير على مثل ما أقدم عليه نصفهمالأول بالنسبة إلى شعر فوزي المعلوف. . . مهما يكن من شيء فقد كانت رسالتك هي الرسالة الوحيدة التي انتصفت لشعر ميشال وهو جدير بالإنصاف؛ كانت الوحيدة من بين خمس وسبعين. وحسبك مثل هذه الشخصية الاستقلالية في ميدان النقد الأدبي!
إن الأستاذ مجذوب يشفق من أن أحكم بالسبق لشاعر آخر غير هذا الذي حكم له، ويجهر بأن مثل هذا الحكم سيغمه - ورب الكعبة - ويحزنه!! ألا يرى الأستاذ مجذوب أنه قد بلغ حداً كبيراً من الطمع حين يريدني على أن أحكم لشاعره المفضل بالسبق على غيره من الشعراء، بعد أن حكمت له بالسبق على غيره من النقاد؟! مهما يكن من شيء فإن إعجابي بشعر ميشال سيخفف من حدة هذا الغم ويلطف من شدة هذا الحزن. وموعدنا العدد المقبل أو العدد الذي يليه، حيث أعرض بالنقد المفصل لتلك المباراة الشعرية، معرجاً على بعض