للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كسائه الأعاصير الهوج، وستر أعضائه السحائب السود، وبصيص عينيه بورق وامضة، وملء جبينه رعود قاصفة، لها في الأسماع ألف قرع وقرع، وألف طنين وطنين!

أقبل الشتاء أيها اللاجئون بارز الناب والمخلب، طويل النصل والسوط. ولكنه - بالغة ما بلغت لذعات سياطه من القسوة والشدة، وكائنة ما كانت نصال ظباه من المضاء والحدة - ليس شرا مما عانيتم وقاسيتم، وليس أسوأ مما كابدتم وجاهدتم، وهل رأيتم موقداً أخشن من الجوع والفاقة، ومورداً أكدر من الضعة والحاجة، ومتكأ أقسى من الذل والهون. .؟!

أقبل الشتاء أيها اللاجئون: وقد بدلتم بالقرار الفرار، وبالمنازل النوازل، وبالرحاب الخراب. .!

أقبل وقد بدلتم بالتسويد التشريد، وبالنعمة النقمة، وبالعلاء البلاء. .! أقبل وأمركم بين يدي حريص ومضيع، وفي وعاق، ولكم الله بين هذا وذاك. .! فماذا ترجون. .؟! والقوم قد ضاقت بكم حدودهم، كما ناءت قبل ذاك جنودهم. .!

ماذا ترجون وقد ركنوا إلى أحاديث يذيعونها، وأهوال يسوقونها (وقلوب يهبونها) بعد أن غدرت بهم قلة الذخيرة، وأضلتهم متاهات الأطماع، وأودت بهم قذارات النفوس. بل ماذا ترجون سوى أن يزجوا إليكم كل يوم قولا واهياً وأملا خابياً، ووعداً كاذباً. .!

ولا بأس أن يطالبوا بأن تفرحوا وتستبشروا، وتبتهجوا ولا تبتئسوا، ألم يقل أحدهم إن قلوبهم معكم، وإنهم حريصون على تدبير المستقبل لكم؟ وهل هناك أغلى من القلوب؟ وقد منحتموها، أو أثمن من الأفئدة؟ وقد وهبتموها. فلتتلمسوا فيها الدفء والغذاء والكساء، ولتتحسسوا فيها السلوى والعزاء والدواء. .؟ وماذا يضرهم بعد هذه الهبة الرائعة لو متم جوعاً وظلماً؟ وماذا عسى يضيرهم بعد تلك المنحة الرفيعة، لو هلكتم فريسة الفقر والعنت والإملاق بل ماذا يهمهم لو عشتم في الحاضر البائس المميت - أشباه موتى أو أشباه أحياء - حتى يدبروا لكم المستقبل الباسم السعيد. .؟ ألا ما أكرم هؤلاء السادة. .؟ فحذار أن تنسوا هذا الكرم فإن ذلك يتنافى مع إخلاص البائسين. .؟ وحذار ألا تتمنوا لهم أطيب المنى، وأهدأ الأحلام. أي إخواننا: إن كانت الصهيونية تطلق على كل من كان سبباً في طرد فرد أو أفراد من مقارهم، وإن كنتم سميتم باللاجئين لأنكم أخرجتم من مطرح إلى مطرح، فإبليس إذن أول الصهيونيين، وآدم إذن أول اللاجئين وأبو اللاجئين: فعزاء به

<<  <  ج:
ص:  >  >>