بلا، وبأ لا أستطيع، وبالمنى ... وبالأمل المرجو قد خاب أمله!
والذي استوقفني في هذين البيتين هو الشطر الثاني من البيت الأول، أي قول جميل: لو أبصره الواشي لفرت بلابله. . وقد رأيت في معنى قوله هذا غمطا لحق الواشي وتغييرا لطبيعته. فالواشي المتلصص على هناء حبيبين لن تقر بلابله عندما يرى الحب قانعا من حبيبته بلا، وبأ لا أستطيع، وبالمنى. . بل سينفجر غيظه وتثور مراجله. فهو لم يتلصص ليراهما على هذه الحال فليس فيها لوم ولا تثريب. . وإنما ليراهما في حالة مريبة تقر بلابله!
وإني أرى أن يكون قول جميل، وربما كان هو الأصح:
وإني لأرضى من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لثارت مراجله!
فأرجو من حضرة الأستاذ الكريم إفادتي على صفحات الرسالة الغراء: أنظرتي خاطئة؟ أم الخطأ من الشاعر، أم من الرواة؟ ولكم خالص الشكر والتحية.
محمد تركي الرجبي
الشيء الذي أود أن يطمئن إليه الأديب الفاضل هو أن هذين البيتين من شعر جميل بثينة، لا غبار عليهما من ناحية النقل الأمين للشعر القديم. . أما الشطر الثاني من البيت الأول فلا غبار عليه أيضا من ناحية الصدق الفني أو من ناحية السلامة التعبيرية.
إن جميل بثينة يريد أن يعبر عن حقيقة هواه ويريد في نفس الوقت أن يفصح عن سر أساه. فحقيقة الحب عند جميل أنه عذري لم تدنسه شهوة، ولم يعبث بطهره إثم، ولم تذهب بصفائه نزوات الجسد أو سقطات الغواية. وسر الأسى عند جميل أن الوشاة لم يتقوا العدل ولم يراعوا الضمير، حين أطلقوا لخيالهم العنان حول هذه العلاقة البريئة الطاهرة بمن يحب! إنهم أصحاب شكوك وأوهام، لأنهم لم (يبصروا) الواقع الذي لا يخرج منه بغير الأماني الكاذبة والوعود الباطلة!
بلا، وبأ لا أستطيع، وبالمنى ... وبالأمل المرجو قد خاب أمله!
هذا الواشي الذي يعنيه جميل، لم (يبصر) هذا الذي يقنع به دائما من حبه لبثينة ولو أبصر لما (تخيل). لما تخيل أن كل محظور قد وقع في عالم المنظور! وهنا تبدو (الرؤية الشعرية) واضحة كل الوضوح صافية كل الصفاء، لأن هذا الواشي الذي يجور على الحق