للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمامهم المشكور بهذه المسرحية ومؤلفها ومخرجها وبفرقة المسرح المصري الحديث التي افتتحت بها موسمها.

غير أن التفاوت الكبير بين أراء حضر اتهم لدرجة غير معهودة أمر يدعو إلى النظر بالرغم من دقة بعض الموضوعات التي تناولوها واختلاف نقاد الغرب أنفسهم فيها.

فبينما يرى الأستاذ خضر مثلا أن هذه المسرحية قد بلغت غايتها من حيث معالجة الحجاج، ويرى الأستاذ الزحلاوي أن مؤلفها تيمور بك قد فتح فتحا جديدا في الفن الروائي العربي، يرى الأستاذ فتح الله أنها قد فقدت القدرة على بعث الحياة والإثارة إلى آخر ما قاله محاولا الحط من قيمتها استنادا إلى رأي الدكتور مندور في كتابه (في الأدب والنقد). ولست أزعم أن رأي الدكتور مندور خطأ ولكن لعل الناقد أخطأ في تطبيقه من جهة وفي اعتباره الرأي الوحيد الذي (يحدد الفرق بين التاريخ والمسرحية التاريخية) من جهة أخرى. فهناك كما نعلم آراء شتى في هذا الموضوع. فرأي يقول بأن التزام التاريخ يفسد المسرحية من الناحية الفنية لأن الفن تقليد بارع للأشياء، والبراعة شرط أساسي. ونحن إذا قلدنا التاريخ كما هو لسلبنا الفن براعته. ونتيجة لذلك يصبح عبثا لا طائل وراءه إذ أنه في هذه الحالة لا يعطينا شيئا خلاف ما يعطينا إياه التاريخ.

ورأي آخر يقول بأن التزام المؤلف المسرحي للتاريخ لا يقلل فينا من شأن إنتاجه أنه مادام يتغلغل في بواطن شخصياته ويستنطقها بما يعين على تفسير الحوادث.

ورأي ثالث يقول بأن هناك لحظات نادرة تكون فيها الحقائق التاريخية واغرب أروع وأكثر إرضاء للنفس وأوثق صلة بالفن من أي قصة من القصص. ولئن أقبلت لحظة من هذه اللحظات النادرة على فنان مسرحي ممتاز فإن الفن والتاريخ يسيران معا بين يديه في توافق تام.

ورأي رابع يقول بأن المسرحية التاريخية إن هي إلا معيار للإنسان لا باعتباره حيوانا اجتماعيا كما في الملهاة ولا باعتباره طامحا للخلود كما في المأساة ولكن باعتباره أداة سياسية في المجتمع أي باعتباره خادماً ساهراً على مصلحة الجماعة التي يعيش فيها. ومن ثم يجب على الفنان المسرحي أن يصور بطله التاريخي بحيث تمحي الفردية فيه أمام عنصره السياسي الذي يمت إلى الجماعة بصفة عامة. . . الخ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>